Sidonianews.net
------------------------
الجمهورية / طوني عيسى
على منصة الأمم المتحدة هذه السنة، أوحى الحراك السياسي والديبلوماسي أنّ حلولاً كبرى ربما تكون قيد الولادة في الشرق الأوسط. لكن المناسبة، واقعياً، لم تؤدّ إلى إطفاء الحروب بل إلى تزخيمها. ولم تنته بتكريس الحدود السيادية للكيانات، بل باتجاه واضح إلى إعادة هندسة الجغرافيا وفقاً للمخططات الاستراتيجية الإسرائيلية. ومن لا يصدّق، فلينتظر ما سيظهر من تحوّلات بعد قمة ترامب ـ نتنياهو. ولبنان حصتُه محفوظة على الأرجح.
عندما يلتقي ترامب، صاحب كتاب «فن الصفقة»، ونتنياهو صاحب «العقيدة الأمنية» المتشدّدة، ويرسمان الخطى المستقبلية من غزة والضفة الغربية إلى سوريا ولبنان وسواهما، فهذا معناه أنّ الشرق الأوسط يقف على أعتاب مرحلةٍ من إعادة التشكيل القسري. فوجود ترامب في سدّة الحكم يمنح نتنياهو الغطاء الأيديولوجي والسياسي لتسريع أجندته الطموحة، والتي تحولت برنامج عمل تحت عنوان واحد: تثبيت أمن إسرائيل الإقليمي المطلق.
اللقاء بين الرجلين هو في الواقع «تزاوج استراتيجي» بين رؤية ترامب الذي يتبنّى مبدأ «أميركا أولاً» ويزدري بالتوافق الدولي، ورؤية نتنياهو كشريك مثالي لتصفية «الملفات العالقة» بأسلوب لا يعترف بالمعاهدات التقليدية أو القرارات الدولية التي يعتبرها «مقيّدة له».
الرؤية المشتركة هي فرض عزلة قصوى على إيران، لا اقتصادياً فحسب، بل أيضاً عسكرياً واستخبارياً، وتفكيك نفوذ وكلائها في المنطقة. والضربات الإسرائيلية ـ الأميركية المشتركة التي استهدفت المنشآت الإيرانية وأهدافاً اقتصادية وعسكرية في حرب الـ12 يوماً تعكس هذا التنسيق العميق.
في غزة، يسعى ترامب إلى فرض خطة «حل نهائي» لا تخدم في الواقع إلّا الأمن الإسرائيلي، على رغم الطلاء التجميلي السميك الذي حاولت قوى عربية وإسلامية وضعه عليها. فهي تقضي على أي تفكير في دولة فلسطينية قابلة للحياة، مقابل حوافز إعمار محدودة وإدارة «غير سيادية» لغزة. وفوق ذلك، سارع نتنياهو إلى إبداء التحفظ عنها، فيما رفضها تماماً بن غفير وسموتريتش، لأنّهما يطمحان إلى تحقيق المزيد.
وأما لبنان وسوريا، أي ما يشكّل «الجبهة الشمالية» بالنسبة إلى نتنياهو، فإنّهما واقعياً أرض مباحة يتحرّك فيها كيفما يشاء. بل إنّ وجود ترامب في البيت الأبيض يمنحه الآفاق لتحويل المطالب الاستراتيجية الإسرائيلية القديمة إلى وقائع على الأرض.
في لبنان يريد نتنياهو كسر قوة «حزب الله»، في مدى قصير، ويطالب حكومة لبنان بنزع سلاحه وقبولها بمفاوضات مباشرة مع إسرائيل. ويبدو هذان الشرطان وكأنّهما «الإنذار الأخير»، قبل انتقاله إلى الهدف الجيوسياسي العميق، المتمثل بإفراغ الجنوب اللبناني من أي قوة عسكرية ربما، بعد إفراغه من قسم كبير من سكانه. ومن الواضح أنّ إدارة ترامب لن تضغط على نتنياهو لوقف أي عمليات عسكرية تهدف صراحة إلى «القضاء على تهديد «حزب الله» الصاروخي»، بل ستقدّم له الدعم اللوجستي والاستخباراتي اللازم على الأرجح. وهذا «الضوء الأخضر» قد يتيح توسيع هامش العمليات الإسرائيلية في الجنوب اللبناني إلى حدود غير متوقعة.
وفي المحاذاة، في سوريا، توغّل الإسرائيليون حتى باتوا تقريباً يسيطرون على الجنوب كله حتى دمشق عملياً، وخصوصاً بعد تمركزهم في جبل الشيخ الذي جعلوه «قاعدة تحكُّم» إقليمية. وانتقلوا في سوريا من طرد إيران إلى ترسيخ هيمنتهم المباشرة على الجغرافيا الاستراتيجية. فقمة جبل الشيخ (بارتفاع 2800 متر) باتت اليوم «عين إسرائيل الكبرى» التي تُشرف على عمق دمشق وسهول البقاع اللبنانية، بل على مجمل الشرق الأوسط. وهي مركز للإنذار المبكر، يكشف أي تحرك بري أو جوي من جانب إيران أو «حزب الله» أو سواهما. كما أنّها مؤهّلة لتكون موقعاً يتحكّم بكل منظومة الاتصالات في الجنوب السوري- اللبناني. وفي الخلاصة، هي تتيح لإسرائيل أن تتحكّم بـ«الميزان الأمني» بكامله في كل المنطقة. وهذا ما يجعل حكومة أحمد الشرع في موقع حرج. فقبولها بتكريس هذه الوقائع في أي اتفاق على الترتيبات الأمنية يعني ضمان السيطرة الإسرائيلية على قسم كبير وحيوي من سوريا، في شكل دائم ونهائي، أي التحكّم المطلق بالمنطقة السورية الجنوبية كلها حتى دمشق. بل إنّ إسرائيل تفضّل استمرار «الفوضى المضبوطة» على حدودها إذا لم تتمكن من تثبيت قوات خاضعة لها. وهذا المنطق يسري على لبنان أيضاً. فمن الواضح أنّ إسرائيل تريد تطبيق ترتيبات متشابهة، وربما مترابطة، في الجنوبين اللبناني والسوري.
اللافت في موقف واشنطن، إعلان توم برّاك أخيراً إنّ بلاده ليست ضامناً لاتفاق تشرين الثاني لوقف النار. وهذا يعني أنّ الأميركيين تنصّلوا تماماً من أي مسؤولية جنوباً، وأطلقوا يد إسرائيل. وثمة من يرى أنّ الديبلوماسية الأميركية في الشرق الأوسط تشكّل اليوم امتداداً للسياسة الأمنية الإسرائيلية. فواشنطن تطرح التسويات التجريبية أو الوهمية من لبنان إلى سوريا إلى غزة والضفة الغربية، لكنها واقعياً تعمل في شكل حثيث على إزالة العقبات من أمام طموحات نتنياهو التي يختصرها هو ورفاقه في اليمين المتطرف بمشروع «إسرائيل الكبرى». ووجود ترامب في البيت الأبيض هو فرصتهم الذهبية.
لذلك، سيناور نتنياهو بكلام التهدئة والاتفاقات الأمنية على مختلف الجبهات، لكنه في الواقع لن يوقف الحرب حتى تحقيق الهدف. وعلى المعنيين في لبنان وسوريا وفلسطين واليمن أن لا يغرقوا في الأوهام التي يجري تعميمها قصداً لإلهاء الجماهير وإبعاد أنظارها عمّا يجري على أرض الواقع.
----------------------------------
جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار العالم العربي والعالم / نتنياهو في لقاء ترامب: فرصة لـ إسرائيل الكبرى
2025-09-30