الرئيسية / أخبار لبنان /تحقيقيات وتقارير /ترسيم الرئيس بين: قانا النفط وقانا الدم

جريدة صيدونيانيوز.نت / ترسيم الرئيس بين: قانا النفط وقانا الدم

 

Sidonianews.net

--------------------

الجمهورية

جوزيف الهاشم

 

«... أنا مستعدّ لأن أكون جنديّاً في جيش الرئيس حافظ الأسد..»

هذا كلامٌ كان ذات يوم، المفتاح السحري الذي يقتضي اللّجوء إليه لفتح أبواب قصر بعبدا.

 

واليوم، أيّ جيش يجب أن ينخرط فيه المرشّح الرئاسي جنديّـاً، ليفتح اللـه في وجهـهِ أبواب القصر فيكون الرئيس السيادي والحيادي القـويّ؟

بعدما رسَّمنا حدودنا البحرية بعَـوْن «الشيطان الأكبر» للتنقيب عـن النفـظ، فبعونِ أيِّ شيطانٍ يمكننا التنقيب عن الرئيس في الأعماق البحرية الغامضة..؟

على أنّ الترسيم الحدودي قد حقّـق جَدْواهُ كما قال فخامة الرئيس، وإنّـهُ سينتشل لبنان من الهاوية لاستعادة مبلغ الستين مليار دولار الذي أنفقناهُ في حقل كهرباء لبنان وترسيم البواخر البحرية.

 

نحن لا نملك خبرة أهـل الإختصاص، وقد وصَـمَ بعضُهم هذا الترسيم بالخيانة الوطنية.

ولكننا بالمعنى القومي نملك الخبرة الكافية حول دهاليز الخيانة الإسرائيلية، ونـرى أنّ مجزرة حقـل «قانـا» الدموي أسمى من حقل «قانـا» النفطي، والنفطُ مع إسرائيل مـادةٌ للحريق، والـدم مادةٌ للحياة.

 

مع هذا التبايُن الإعتراضي، لستُ أدري ما إذا كان الترسيم يُعتـبر إنجازاً تاريخياً، كمثل ما تُعتبَرُ كلُّ الإنهيارات التي حلَّـتْ بنـا نوعاً من المكاسب التاريخية.

 

الدولة التي تقوَّضت أركاناً وتحطّمت بُنْياتٍ، وتهدّمت مؤسسات، وانقلبت فيها كل مقاييس الحياة، هذه الإنهيارات كلّها أصبح يراها بعضُهم إنجازات برسم التاريخ.

وكلّ التسميات عندنا أصبحت تعكس معناها، على غرار الصندوق الذي يُستعمل في الطائرات، يُسمّى الصندوق الأسود في حين أنّ لونَـهُ الحقيقي برتقالي.

أمّـا بعد، فماذا عن ترسيم صورة رئيس للجمهورية وهي تترنّح في حقلٍ من الفراغ وحقلٍ من الألغام…؟

 

هل ستتكرّر الدعوات إلى الجلسات الإنتخابية حتى استهلاك الأعصاب والطاقات والإرادات، فتتهالك استسلاماً للرئيس المفروض واستبعاداً للرئيس المرغوب…؟

وأين تلك المواصفات التي شكّلت مبارزة بين الأضداد حـول الرئيس: السيادي التوافقي الإصلاحي الحيادي القوي…؟ هل يراها كلّ فريقٍ مطابقةً لرئيسه هو.. ورئيسُ الفريق الآخر يُرشق بالعمالة والخيانة…؟

 

هذه، ثقافة الدول الديكتاتورية والتيوقراطية التي تعتمد الأفيون العقلي تضليلاً للشعوب، وتمارس ما يُعرف بالعنف المقدّس.

 

كان هتلر يقول: إشحنوا العقول بالتضليل وكرّروا ذلك أكثر من مـرة فيصدّقه الناس، والذين كانوا يقرأون الصحف النازية والفاشية يعرفون كيف كان مفعول هذا الأفيون في العقول: فالوطني يصبح خائناً، والبريء مجرماً، والصالح فاسداً والمفكّر مجنوناً، والمجنون شاعراً.

 

ولكن، عندما انتقلت إلمانيا الهتلرية إلى الديمقراطية، وراح «هانزاكس» صانع الأحذية الإلماني ينشر تاريخاً شعرياً عن بـرج بابل، صادرَ القضاة كتابَـهُ وأمروهُ بأنْ يلتزم قوالب الأحذية.

 

برئيسٍ أو بغير رئيس، وفي ظـلّ ما نشهد اليوم من همجية الأنظمة، حتّى وإنْ تحـوّل لبنان إلى بـرج بابل، فسيظل حـذاء لبنان الديمقراطي والشعري والثقافي يشكّل وسام شـرف.

----------------------

جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار لبنان / ترسيم الرئيس بين: قانا النفط وقانا الدم

 

2022-10-21

دلالات: