Sidonianews.net
---------------------
الجمهورية
جوزف القصيفي نقيب محرري الصحافة
على رغم من محاولة الموفد الأميركي توماس برّاك تفسير التصريحات التي أكثرَ من إطلاقها أخيراً مُنبِّهاً إلى خطر وجودي يواجه لبنان، إذا لم يرضخ للائحة المطالب الأميركية - الإسرائيلية، بأنّها لا تبطن أي تهديد، فإنّ أبرز ما ورد على لسانه إشادته بسوريا ما بعد الأسد التي يُسَيطر عليها الإسلاميّون بقيادة أحمد الشرع، الذي يحاول أن يُعلِّق ثوب «الجولاني» على مشجب النسيان، وإنّ إمكان إعادة تكليفها إدارة الشأن اللبناني ليس مستبعداً، كما كان الأمر في مرحلة ما بعد «اتفاق الطائف»، عندما جعلت الإدارة الأميركية من حافظ الأسد صاحب اليَد العليا في تقرير شؤون لبنان السياسية والأمنية والإقتصادية وسواها. فكان كل ما يحلّ في دمشق يكون محلولاً في بيروت، وكل ما يربط فيها يُربط في العاصمة اللبنانية أيضاً. وذلك بموافقة عربية أقرب إلى «البصم».
كل ما يجري في الشرق الأوسط سيكون مفصّلاً على قياس مصالح إسرائيل وديمومتها كياناً مصطنعاً يسعى إلى شرعنة وجوده
في المنطقة بالحديد والنار وفي رأي سياسي لبناني، أنّ برّاك من خلال ما نُسِبَ إليه من كلام يلوّح بإرساء معادلة جديدة: «إذا لم تنزعوا سلاح «حزب الله»، سنُلزِّمكم لسوريا» وعندها «قلّعوا شوككم بيدكم». ويتابع: «في كلام برّاك الذي لا يحتاج إلى «مُنجِّم» ليفهمه، تترأى صورة «العصا والعصا» وليس «العصا والجزرة». ويرى السياسي عينه أنّه «من أي انحياز لأي محوَر يمكن الاستنتاج أنّ الحرب في لبنان وعليه واردة في أي لحظة. وإذا اختلّ الأمن على الحدود الشرقية، فإنّ الحرب ستكون على الأبواب، بدءاً من البقاع الشمالي بين «حزب الله» وبيئته من جهة، وقوى لبنانية توالي حُكم الشرع وتؤآزر المجموعات السورية التي ستعمل على اختراق مواقع في لبنان من جهة ثانية». أي أنّ سوريا الشرع لن تختلف عن سوريا الأسد لجهة التحشيد، والتحرّك وفق «أجندة» قصر الشعب في دمشق، إذا استطاع رئيس الفترة الانتقالية تجاوز العقبات الداخلية وكسب ثقة المجتمع الدولي، ولا سيما منه واشنطن التي تقدّم له شتى أشكال الدعم. وبصريح العبارة يُصبح الخوف من فتنة إسلامية - إسلامية جاداً. وإذا حُشِرَ الجانب اللبناني وتواصل الضغط عليه من أجل إرغام «حزب الله» على تسليم سلاحه للجيش اللبناني من دون الحصول على أي ضمانات، ولم يمتثل الحزب، فليس أمام الجيش سوى نزعه بالقوة. فهل هو قادر على ذلك؟ وهل الأجواء السياسية غير المستقرة والمضطربة تساعده في تحقيق هدفه من دون أي تداعيات؟
المشكلات السورية مع لبنان ترقى إلى فترة إعلان «دولة لبنان الكبير» في العام 1920، وما من مرّة كان لبنان مرتاحاً إلى سَير العلاقة مع «شقيقته» اللدودة. متعدّدة هي المرّات التي أُقفِلت فيها الحدود اللبنانية - السورية منذ العام 1949، لأسباب مختلفة وبذرائع شتى. وفي كل مرّة كانت الحكومة في دمشق هي مَن يبادر إلى ذلك. منذ أيام خالد العظم إلى أيام حافظ الأسد تُغلق الحدود بالمفتاح نفسه، لكن ليس بالأيدي نفسها. والسؤال المطروح: هل ثمة استعلائية ستمارسها سوريا الشرع تجاه لبنان، كما كانت الحال في الفترات السابقة من دون أن يكون هناك مجال للندية، خصوصاً بعد نجاح الهيئات الدولية والإقليمية الداعمة له في إعادة صَوغه شكلاً ومضموناً، ليكون رجل المرحلة في سوريا، ولو إلى حين؟
توم برّاك الذي يُحذِّر من العودة إلى «بلاد الشام»، هل يقول هذا الكلام من باب تنبيه اللبنانيِّين إلى وجود نية دولية - عربية لتسليم «رقبة لبنان» إلى سوريا، بصرف النظر عن شخصية من يسوّسها، أو أنّه يطلق «صافرة إنذار» من أنّ هناك مخطّطاً لإعادة النظر في اتفاقية «سايكس - بيكو» التي رسمت جغرافية فلسطين ما قبل النكبة، ودول الطوق التي تحوطها؟ وبصريح العبارة، فإنّ كل ما يجري في الشرق الأوسط سيكون مفصّلاً على قياس مصالح إسرائيل وديمومتها كياناً مصطنعاً يسعى إلى شرعنة وجوده في المنطقة بالحديد والنار، ويستغل تفوّقه العسكري لـ«يقصقص» سلاماً بحسب مفهومه لإسقاطه على الدول العربية إمتداداً إلى دول إقليمية بارزة مثل إيران، تركيا، وباكستان. فتل أبيب وسط العالم الإسلامي تبدو جسماً غريباً، ولو ظفرت أو قد تظفر بتطبيع مع هذه الدولة أو تلك.
في أي حال، قاوم اللبنانيّون على مرّ تاريخهم القديم والحديث أي محاولة لتذويب هويّتهم، ومصادرة إرادتهم، والتقرير باسمهم، ووضعهم في «سيلة» أي قوة قاهرة. وبالتالي، فإنّ برّاك الذي أراد إخافة اللبنانيِّين من خطر معيّن، ذهب بعيداً عندما قال: «إنّ سوريا على الأبواب». فبدل أن «يُكحِّلها عماها». لقد أظهرت التجارب والأحداث في لبنان أنّ التحدّي والمكاسرة التي تبلغ تخوم الحرب أحياناً، لا يؤدّيان إلّا إلى مزيد من الدم والأحقاد والتفرقة. لكن ما من أحد في لبنان يستطيع أن يُلغي أحداً، أو حذفه من أي معادلة. ومن هنا فإنّ إصرار الدولة على الحوار سبيلاً لحل موضوع سلاح «حزب الله»، هو في محله، وإنّ الذين يتولّون هذه المهمّة بدءاً برئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، هم أدرى بالتوقيت. لا يُقلِّل أحد من أهمية تصريحات برّاك الذي يعرف تضاريس الأزمة اللبنانية وشعابها، و«قادومياتها» و«عراقيبها»، لكن مَن عايَش ويُعايِش الأزمة على الأرض بكل تفاصيلها ودقائقها اليومية يتملّكه الخوف والحذر. والجميع يذكر القول اللبناني الشائع: «لماذا تنفخ على اللبن؟ لأن حليبو كاويني».
---------------------------
جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار لبنان / كلام برّاك والحليب الكاوي : معادلة جديدة أو...؟
2025-07-14