Sidonianews.net
--------------------
الجمهورية / طوني عيسى
على الأرجح، كانت قمّة «مارالاغو» صداماً صامتاً بين رجلين يجمعهما التحالف وتفرّقهما الأساليب والأهداف: نتنياهو يرى في القوة العسكرية حلاً وحيداً لكسر المعادلات، وترامب يرى أنّ «الصفقات الكبرى» هي الضمانات الحقيقية لاستمرار السيطرة. ولكن، بالتأكيد، خلف الجدار السميك المحيط بالنقاشات، توصلت القمة إلى صفقات بقيت طي الكتمان، وستظهر نتائجها في الشرق الأوسط تباعاً، بعد أسابيع أو أشهر أو سنوات.
1- الملف الإيراني
في تقدير ترامب أنّ الضربة الأميركية ـ الإسرائيلية التي تمّ توجيهها إلى إيران في العام الفائت أضعفتها، وأما المتبقي فيجب أن يتحقق بالمفاوضات، لأنّ الأسواق تحتاج إلى استقرار. في المقابل، من المؤكّد أنّ نتنياهو حاول إقناعه بأنّ الصفقات لا تعيش في الشرق الأوسط إلّا إذا كانت محمية بالسلاح. فالإيرانيون، على رغم من الضربات، يعملون في شكل حثيث لإنعاش برنامجهم النووي وتطوير صواريخهم البالستية، والتسلل مجدداً إلى سوريا ولبنان. ولذلك، في تقدير نتنياهو، إذا لم يتمّ القضاء نهائياً على المشروع النووي وترسانة الصواريخ، وفي أقرب ما يمكن، فالضربات التي تمّ توجيهها إليهم ستذهب سدى.
في النهاية، بديهي أن يقدّم ترامب لنتنياهو مزيداً من الدعم الاستخباري ودفعات هائلة من الأسلحة الأكثر تطوراً في العالم، مقابل أن يمنح واشنطن فرصة التوصل إلى «الصفقة الكبرى» التي يخطط لها ترامب مع طهران، خصوصاً من خلال المفاوضات الدائرة في عُمان. لكن السؤال هو: أي مهلة معطاة للمفاوضات؟ ومتى ستوافق واشنطن على ضربة جديدة لإيران؟ وهل ستكون بمستوى الضربة السابقة أم ستستهدف القضاء على النظام أيضاً؟
2- غزة
الأرجح أنّ ترامب تمسك بخطته التي تقضي بإنشاء «مجلس سلام» يدير الإعمار، مراهناً على أنّ الخليجيين العرب سيموّلون كل شيء، لإقامة منطقة اقتصادية وتكنولوجية منزوعة السلاح، وخاضعة عملياً للسيطرة الإسرائيلية، ولكن من دون وجود عسكري إسرائيلي على الأرض. لكن نتنياهو يعتقد أنّ تحقيق هذا الهدف مستحيل من دون سيطرة أمنية في المنطقة الصفراء، لأنّ «حماس» ستبرز مجدداً هناك تحت مسمّى التكنوقراط.
والحل الوسط المحتمل هو اتفاق الرجلين على تسوية تقضي بنشر قوات دولية في القطاع بتمويل عربي وإشراف أميركي، مع حق إسرائيل في التدخّل «جراحياً» وسريعاً عند اعتقادها بوجود أي تهديد. ولكن، هل اقتنع الأميركيون بتذويب الشخصية الفلسطينية تماماً في القطاع ليصبح مجرد منطقة اقتصادية لا لون وطنياً لها؟ وما انعكاس ذلك على مصير الضفة الغربية أيضاً؟ وفي هذه الحال، ما مستقبل «حل الدولتين» الذي تتمسك به السعودية والعرب عموماً؟
3- سوريا
يتمسّك ترامب بدعم حكومة أحمد الشرع لتشجيعه على مزيد من الانفتاح في الداخل والخارج. وقد بادر إلى رفع العقوبات عنه. وهو سيحضّ نتنياهو على توقيع اتفاق أمني معه، فجاءه الردّ بالموافقة، ولكن بعد ضمان كل ما تريده إسرائيل في سوريا التي لن يُسمح لها بأن تصبح منصة لتركيا أو لروسيا.
ويمكن أن يكون النقاش في الملف السوري قد انتهى بوعد من ترامب بالضغط على دمشق لتعترف بـ«الحدود الآمنة» والترتيبات التي تريدها إسرائيل، والتي توازيها استثمارات ضخمة يقودها صهره جاريد كوشنر لإعادة الإعمار في سوريا. ولكن، ما موقف واشنطن من تشجيع إسرائيل للنزعات الإنفصالية أو شبه الإنفصالية، الدرزية والكردية والعلوية، والتي تبدو متزايدة في الفترة الأخيرة بتشجيع خارجي؟
4- القنبلة الجديدة: أرض الصومال.
توحي مواقف واشنطن بغضب مكتوم تجاه ما فعله نتنياهو، لجهة اعترافه بـ«أرض الصومال»، وإدخال أثيوبيا في تحالف ثلاثي. فالأميركيون يحاذرون أغضاب حليفهم عبد الفتاح السيسي وأقلاق السعودية في لحظة الحاجة إليهما في الشرق الأوسط، ولا يرون مصلحة في فتح جبهة في البحر الأحمر الآن.
أما نتنياهو فيرى أنّ ما فعله في القرن الأفريقي يدخل في الاستراتيجية الكبرى التي ستخدم الهدف الأميركي والعربي أيضاً. فموطئ القدم مقابل مضيق «باب المندب» هو خطوة حيوية لخنق الحوثيين وإيران. وعلى الأرجح، سيرفض ترامب الاعتراف حالياً بـ»أرض الصومال» لمنع انفجار العلاقة مع الرياض والقاهرة، لكنه سيغض الطرف عن التعاون الأمني والتقني الإسرائيلي في أفريقيا، تحت عنوان «مكافحة الإرهاب». فإلى أين سيقود الانشقاق الشرق أوسطي والعربي المستجد، بين محورين محسوبين على الولايات المتحدة: إسرائيلي من جهة، وتركي ـ سعودي ـ قطري في المقابل؟
5- أنابيب الغاز والطاقة
يتمسك نتنياهو بأنبوب الغاز مع قبرص واليونان في اتجاه أوروبا، لأنّه سيتيح لإسرائيل التحكّم بأمن الطاقة بعيداً من ضغوط الآخرين. وعلى الأرجح، هذا المشروع حظي بدعم ترامب وبتعهّد منه بجعل تركيا جزءاً من هذا الخط بطريقة معينة. ففي اعتقاده أنّ الجميع يمكن أن يربح في الصفقات التجارية. والسؤال هنا: كيف يمكن تحقيق هذا التوافق، وما الأثمان المقابلة في البر الشرق أوسطي، ولا سيما لبنان وسوريا؟
6- لبنان و«حزب الله»
يرى ترامب أنّ «حزب الله» هو الآن في أضعف حالاته بعد سقوط الأسد. وخسارة الإيرانيين ممرهم البري. والأفضل هو إكمال المسار بدعم الحكومة اللبنانية والجيش لاستكمال إزالة تأثير «حزب الله» وتحويل لبنان شريكاً تجارياً إقليمياً. في المقابل، يعتقد نتنياهو أنّ ضعف «حزب الله» لا يعني زواله، وأنّ مقدراته الباقية والمخبأة حالياً ستنمو مجدداً إذا رُفع الضغط عنه. ولذلك، يطلب نتنياهو ضمانات بأنّ نهر الليطاني أو ربما نهر الأولي هو الحدود التي يجب تأمينها تماماً، كما يجب أن تبقى لإسرائيل القدرة على الضرب في لبنان من دون استئذان أحد. وليس مستبعداً أن يكون نتنياهو في القمة قد شكّك في صدقية الحكومة والجيش اللبناني، الذي قال الإسرائيليون مراراً إنّ بعض ضباطه وعناصره ينسقون مع «الحزب». وعلى الأرجح، جدّد ترامب الوعد بوضع مستشارين أميركيين في كل غرف العمليات في الجنوب. فالميكانيزم هي التي تقوم اليوم مباشرة بتفتيش المنازل في الجنوب. وفوق ذلك، سيؤكّد ترامب أنّ لبنان لن يحصل على أي مساعدات ما لم يبدأ بمصادرة مخازن «الحزب». ووفق الخبراء، يفترض ان يكون النقاش في الملف اللبناني قد حُسم باتفاق على منح لبنان فرصة لتنفيذ الجدول الزمني الخاص بنزع السلاح، على أن يمارس ترامب ضغطاً اقتصادياً، فيما نتنياهو يمارس ضغطاً عسكرياً، أي تهديداً بالاجتياح. وفي السيناريو الختامي لملف لبنان، من المؤكّد أنّ نتنياهو حصل على تفويض باستمرار العمليات العسكرية، بدعم أميركي صامت، فيما تواصل واشنطن وضع لبنان في غرفة العناية المركّزة، سعياً إلى تبديل هويته من «جبهة» تتحدّى إسرائيل إلى منطقة استقرار وازدهار اقتصاديين. وهذا المسار يمكن أن يقود إلى انقلابات هائلة داخلية وخارجية، لأنّ من الصعب إدراك الأهداف الإسرائيلية الأخيرة في لبنان.
وفي انتظار ظهور النتائج، يمكن القول إنّ قمة ترامب ـ نتنياهو ربما انتهت إلى مقايضات كبرى، يحصل فيها الإسرائيليون على مظلة أمنية مطلقة وتفوّق عسكري نوعي (F-35 إضافية وقنابل ذكية)، فيما يحصل ترامب على هدوء نسبي في الجبهات، يسمح له بالمضي في المسار السياسي ـ الاقتصادي الواسع النطاق. ففي الواقع، سيقبل نتنياهو بالديبلوماسية ما دام مسموحاً له أن يبقي إصبعه على الزناد، فيما سيوافق ترامب على تمويل الأمن الإسرائيلي، ما دام ذلك لا ينسف المشروع الأميركي ولا «الصورة التاريخية» التي ينشدها لنفسه، صورة «رجل السلام» التي قاتل لتسويقها، لعله يحصل على جائزة نوبل للسلام.
ولكن، خلف الجدران السميكة، ثمة كثير من الأسئلة الصعبة ستتبلور أجوبتها، وكثير من الأسرار ستنكشف يوماً بعد يوم، وستتمّ ترجمتها بالبارود والنار في غالب الأحيان.
---------------------------
جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار لبنان / قمّة الأسرار التي ستغيّر الشرق الأوسط
2025-12-30





