الرئيسية / أخبار لبنان /تحقيقيات وتقارير /الوقت لا يعمل لمصلحة لبنان

جريدة صيدونيانيوز.نت / الوقت لا يعمل لمصلحة لبنان

 

Sidonianews.net

----------------------

الجمهورية  / جوني منير

سرقت زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للبيت الأبيض كل الأضواء الإعلامية، وسط احتفال «نادر» خصّه به الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وتمّ الإعلان عن اتفاقات عدة، حملت الطابع الإستراتيجي، وشملت خصوصاً الدفاع والذكاء الإصطناعي والطاقة النووية، إضافة إلى موافقة واشنطن على بيع السعودية الطائرات القتالية الأكثر تطوراً في العالم من طراز 35 ـ F.

وكانت زيارة أخرى قد حصلت قبل أقل من أسبوعين إلى البيت الأبيض، وأثارت اهتماماً خاصاً ولو من زاوية مختلفة، والمقصود هنا زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع. وهو ما يعطي دليلاً إضافياً على نجاح الولايات المتحدة الأميركية في توظيف مسار الحروب التي انطلقت في المنطقة قبل أكثر من عامين، لمصلحة إمساكها بكافة ساحات المنطقة كمرجعية دولية وحيدة. فقبل السابع من أكتوبر عام 2023 كانت الصين وروسيا تعملان على النفاذ إلى عمق الشرق الأوسط من خلال الفجوات الواسعة الموجودة. ومع اندلاع «طوفان الأقصى» والتهاب ساحات غزة ولبنان وسوريا واليمن وإيران، أمسكت واشنطن بكافة خيوط المنطقة، أكانت من زاوية القوة العسكرية أو من زاوية فرض الحلول السياسية، تماماً كما حدث مع قرار وقف إطلاق النار في غزة.

وزيارة بن سلمان المثيرة للبيت الأبيض نجحت في انتزاع قرار أميركي، لطالما طالبت به السعودية، ويتعلق بوضع المملكة تحت حماية المظلة العسكرية الأميركية من خلال وضعها كحليف رئيسي في إطار الدفاع العسكري خارج حلف «الناتو». وثمة نقطة ثمينة أخرى فاز بها بن سلمان، وهي ليس فقط بالحصول على موافقة ترامب على بيع السعودية 48 مقاتلة F -35، ولكن أيضاً من دون أن يستبق ذلك حصول التطبيع مع إسرائيل، وهو الشرط الذي كانت تضعه واشنطن دائماً. واستطراداً، الإيحاء بأنّ انضمام السعودية إلى «اتفاقيات ابراهيم» لم يعد شرطاً مسبقاً لفتح أبواب الشراكة الأوسع بين واشنطن والرياض. صحيحٌ أنّ هذه الشراكة تعني ضمناً وواقعياً استكمال تقويض مشروع إيران الإقليمي وطموحها بالإمساك بزعامة المنطقة، إلّا أنّ إسرائيل لا تبدو مرتاحة كثيراً، خصوصاً لجهة تزويد المملكة الطائرات الحربية الأكثر تطوراً وفتكاً في العالم. فلقد اعتبر الإعلام الإسرائيلي بشيء من المبالغة، أنّ هذه الخطوة بمثابة تهديد للتوازن العسكري في المنطقة. لكن إسرائيل التي تتمسك بتفوقها العسكري والنوعي، يزعجها جداً أن تكون تتقاسم هذا التفوق مع دولة أخرى. ولكن حسابات ترامب مختلفة عن حسابات نتنياهو. ووفق ما قال الموفد الأميركي السابق إلى المنطقة دينيس روس (وهو ديموقراطي الهوى) بأنّ ترامب يتطلع لتطوير علاقة متعددة الجوانب مع السعودية بما يبقيها بعيدة من الفلك الصيني. وبتعبير آخر، إقفال كل الفجوات في الشرق الأوسط أمام أي إمكانية لنفاذ أحد إليها.

وثمة جانب آخر لا يمكن إغفاله، وهو الدور الأساسي إقليمياً، والذي تمّ إيكاله إلى السعودية والمتعلق بالمرجعية الإقليمية للساحتين السورية واللبنانية. ولم يكن من باب المصادفة البحتة أن تتزامن زيارة الأمير يزيد بن فرحان لبيروت على رأس وفد إقتصادي كبير والحديث عن موافقة المملكة على إعادة السماح بتصدير المنتجات اللبنانية. لكن هذه الخطوة السعودية الواعدة ترافقت مع «إشارة» أميركية سلبية وقوية تجاه لبنان، طاولت قائد الجيش، ومن خلاله السلطات السياسية اللبنانية. وهي شكّلت سابقة، ولم يعتقد أحد أنّها كانت لتحصل بين واشنطن والمؤسسة الأقرب إليها. وهذه الخطوة وما رافقها من تسريبات ومواقف، أظهرت أنّ ثمة غيوماً داكنة بدأت تتجمّع في سماء العلاقات بين واشنطن والسلطات اللبنانية. صحيح أنّ علاقة الجيش بواشنطن لم تكن على الدوام «سمناً وعسلاً»، لكن المعالجات كانت تحصل ضمن الغرف المغلقة وخلف الأبواب المقفلة. وبالتالي فإنّ الذهاب إلى هذا الحدّ أنما المقصود به الإشارة إلى أنّ «سوء التفاهم» اجتاز الحدّ المقبول. وصحيح أيضاً أنّ لترامب أسلوبه الفج والصادم، وهو ما دفع للذهاب إلى هذا الحدّ، لكن ما حصل يتطلّب معالجة جدّية وفي العمق، وليس الإكتفاء بمجاملات. وعلى رغم من التهويل الذي مارسه بعض من تنطّحوا لحمل رسائل غير جدّية حول الجدوى من الإستمرار في رفد الجيش اللبناني بالمساعدات الأميركية، إلّا أنّه من المستبعد جداً أن تعمد واشنطن إلى وقف مساعداتها العسكرية، كون هذه الخطوة تحمل بعداً آخر، وهذا غير واقعي وغير وارد على الأقل في المرحلة المنظورة. فالجيش اللبناني كمؤسسة يشكّل رقماً ثابتاً ضمن معادلة متحركة وفق التعاطي الأميركي مع لبنان. ولكن في انتظار جلاء «الغيوم» الموجودة، فإنّ من المستبعد أن يُعاد ترتيب زيارة بديلة لقائد الجيش لواشنطن، إلّا في حال تبدّل المعطى السياسي القائم حالياً.

وخلال الأسابيع الماضية تصاعدت التهديدات والإشارات السلبية، أكانت من إسرائيل أو من الموفدين الأميركيين، ضدّ السلطات اللبنانية، إلى درجة أنّ الموفد توم برّاك استخدم التوصيف الأوقح لدى حديثه عن الدولة الفاشلة. وخطورة الضغط الأميركي الحاصل أنّه يترافق مع تصاعد الإستهدافات العسكرية الإسرائيلية ورفع مستوى الطلبات عبر لجنة «الميكانيزم»، حيث لم يعد هنالك من فارق بين جنوب الليطاني وشماله. كما أنّ الحكومة الإسرائيلية، والتي أوصت بأيام قتالية عدة في لبنان، تتقاطع مع المهلة التي منحتها واشنطن له وتنتهي نهاية السنة الحالية.

وإذا كانت الحرب المفتوحة التي شنّتها إسرائيل على لبنان العام الماضي تهدف إلى تدمير البنية التحتية للدور الإقليمي لـ«حزب الله»، إضافة إلى إنشاء المنطقة العازلة جنوباً، فإنّ الأهداف التي تتوخاها من عمل عسكري على مستوى عمليات جراحية وليس حرباً مفتوحة، تتركّز حول تدمير السلاح الثقيل ومستودعاته، ما يعني إحداث فصل نهائي بين إيران ولبنان، وتوسيع مساحة المنطقة العازلة جنوباً، وهو ما يفسّر رفع مستوى الإستهدافات جنوباً، ومن ثم تأمين الظروف الملائمة للذهاب إلى مفاوضات مباشرة مع إسرائيل.

وقبيل وصول ولي العهد السعودي إلى واشنطن، دار الحديث عن أنّ ملفي سوريا ولبنان سيكونان في صلب المحادثات بينه وبين ترامب. لكن التسريبات اللاحقة أغفلت ذلك، وهو ما يعني أنّ ثمة مسائل تستوجب الكتمان في المرحلة الحالية. ووفق استنتاج أوضح، فإنّ الوقت لا يعمل لمصلحة المعطيات القائمة حالياً.

وهنا لا بدّ من الإشارة أيضاً الى ما أعلنه ترامب أمام ضيفه، الذي حمل معه رسالة خطية من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، فهو قال إنّ طهران ترغب بشدة في إنجاز تسوية معه، ولكن المسؤولين الإيرانيين لا يعلنون ذلك. وفي الأمس تمّ تسريب أنباء نقلاً عن مصادر في الحكومة الإيرانية، أنّه يتمّ درس إحتمالية وقف تخصيب اليورانيوم نهائياً. طبعاً هذه التسريبات لا تزال في حاجة للتأكيد، لكن مجرد تزامنها مع هذه التطورات فهي تؤشر إلى شيء ما. والسؤال هنا، هل ثمة ترتيبات ستشمل لبنان؟ أم أنّ الحلول ستكون على الساخن كما كان قدره دائماً؟

وثمة سؤال آخر يتعلق بالساحة السورية وبدء ظهور تفسخات خطيرة قد تهدّد سلطة الشرع. فعدا عن إطلاق الكاتيوشا في اتجاه منطقة المزة القريبة من القصر الرئاسي السوري، سُجّل هجوم علني لمفتي منطقة أعزاز في ريف حلب الشيخ أبو مالك على «من يبرّر الإنضمام إلى التحالف الدولي ضدّ «داعش»، فهم ليسوا بكفار ولا تجوز محاربتهم». لا بل انّه ذهب أبعد حين اعتبر أنّ المشاركة في التحالف تعدّ «مخالفة شرعية». وفي هذا الوقت تستغل إسرائيل الوضع السوري الداخلي الضاغط، لتعمل على توسيع دائرة توغلاتها. فمن الواضح أنّ نتنياهو الذي زار الجنوب السوري، يركّز على توسيع المنطقة العازلة في سوريا، وربما في لبنان، عبر رفع مستوى السخونة الحربية.

ومن الواضح أنّ نتنياهو الذي يقترب من إنتخابات داخلية مصيرية بالنسبة اليه، يعمل على تحقيق ما أمكن من مشروع اليمين الإسرائيلي، عبر السيطرة على المنطقة الجنوبية لسوريا، وعلى جنوب نهر الأولي في لبنان، والعمل على إحداث طرق إحتيالية لنقل الفلسطينيين من غزة. وفي هذا الإطار، كشف النقاب عن ترحيل إسرائيل 153 فلسطينياً من غزة إلى جنوب أفريقيا الأسبوع الماضي عبر رحلة مستأجرة تديرها شركة طيران أفريقية، حيث خرج الفلسطينيون من دون ختم الخروج على جوازات سفرهم، وهو ما سيمنعهم من العودة. هو أسلوب تهجير «ناعم» تعمل إسرائيل على تطبيقه.

ما من شك أنّ الظروف التي يمرّ فيها لبنان صعبة والمخاطر كبيرة والإشارات مقلقة. فمشروع اليمين الإسرائيلي لم يُدفن خلافاً لاعتقاد، أو ربما تمنيات، البعض. الواضح أنّ الضغوط الأميركية على لبنان ستزداد بالتزامن مع رفع مستوى الإستهدافات العسكرية الإسرائيلية. وهو ما يعني أنّ الوقت لا يعمل لمصلحة لبنان.

------------------------

جريدة صيدنيانيوز.نت / اخبار لبنان / الوقت لا يعمل لمصلحة لبنان

2025-11-20

دلالات: