الرئيسية / أخبار لبنان /تحقيقيات وتقارير /تصعيد متدرّج بموافقة أميركية

جريدة صيدونيانيوز.نت / تصعيد متدرّج بموافقة أميركية

 

Sidonianews.net

----------------------

الجمهورية / جوني منير

شكّلت الغارات الإسرائيلية يوم الخميس الماضي على بلدات في جنوب لبنان، يقع معظمها جنوب خط الليطاني، مؤشراً واضحاً إلى استعادة إسرائيل للأسلوب الذي كانت تتبعه خلال الحرب، وبالتالي البدء بمرحلة جديدة من التصعيد. لكن هذه الغارات جرى ربطها بالبيان الذي كان أصدره «حزب الله» قبل ساعات معدودة، والموجّه إلى رئيس الجمهورية ورئيسي المجلس والحكومة، والذي تضمن رفضاً لأي مفاوضات سياسية مع إسرائيل، ما أدّى إلى اعتبار الإستهداف الجوي الإسرائيلي رداً عليه. وما لفت أكثر، أنّ السكوت الأميركي إزاء ما حصل تمّ تفسيره وفق مقولة «السكوت علامة الرضى»، وسط استمرار حملة التجييش عبر الإعلام الأميركي.

فالموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس كانت غادرت لبنان وفي جعبتها قبول لبناني مبدئي بالذهاب إلى مفاوضات لبنانية ـ إسرائيلية مطعّمة بمدنيين ولو عبر صيغة «الميكانيزم». وتمّت تسمية اسم لبناني هو أكثر من تقني، ولكنه لا يحمل صفة رسمية. وكما العادة، فإنّ موافقة الرئيس نبيه بري تُعتبر بإسم «الثنائي»، ولو أنّ «حزب الله» كان سينأى بنفسه عن أي موقف علني في هذا المضمار. لكن صدور بيان «حزب الله» بهذه السرعة ووفق عبارات قوية بعض الشيء، أحدث مفاجأة عند الجميع، خصوصاً لدى الأميركيين، على رغم من أنّ قيادة الحزب تواصلت مع الرئيس بري قبل صدور البيان لوضعه في أسبابه. ومع شيء من التدقيق، تبين للأوساط الديبلوماسية المتابعة، أنّ البيان الصادر يحمل في طياته موقفاً إيرانياً كاملاً. فصدور البيان بهذه السرعة يؤشر إلى ذلك، وإلّا كان يمكن لـ«حزب الله» انتظار أول إطلالة خطابية لأمينه العام الشيخ نعيم قاسم للإدلاء بموقفه، والتي هي محدّدة غداً الثلاثاء، فلماذا الإستعجال إذاً؟ كما أنّ الإدلاء بالموقف عبر بيان مكتوب يحمل عادة موقف يُراد منه الدقة في التعبير. ووفق هذين العاملين، استنتجت الأوساط الديبلوماسية، أنّ إيران هي من تقف كلياً وراء البيان، وهي أرادت إقفال الباب على أي فكرة تفاوض أقله في المرحلة الراهنة، وسحب الهامش الضيّق الذي يحظى به بري في هذا الموضوع بالذات. ومن هنا اعتبار البعض أنّ واشنطن كانت موافقة، لكي لا نقول مباركة، للمنحى التصعيدي الجديد الذي اعتمدته إسرائيل، وليكون بمثابة جواب سريع على طهران التي تشهد مفاوضاتها مع واشنطن تعثراً واضحاً.

وعلى رغم من ذلك، فإنّ ما حصل إنما يدخل في السياق العام الآيل إلى تدحرج الأمور. فالمرحلة وفق التوصيف الأميركي هي مرحلة الرفع المتدرّج لمستوى الضغوط العسكرية على «حزب الله»، والمرفقة بتشديد الخناق عليه مالياً لمنعه من التحرك بحرّية. فمن الواضح أنّ إسرائيل باتت لديها حرية التحرك في لبنان في المرحلة الحالية، وأنّ واشنطن باتت تمنحها الضوء الأخضر للذهاب في اتجاه العمل على تدمير القدرة العسكرية لـ«حزب الله». فالحكومة الإسرائيلية اشتكت طوال الأشهر الماضية من أنّ «حزب الله» يعيد بناء قدراته العسكرية، وأنّها لا تستطيع ترك الساحة اللبنانية لتعود إلى سابق عهدها، فهذا تراجع «قاتل» وفق ما تنقله الأوساط الديبلوماسية الأميركية عن الحكومة الإسرائيلية. وتضيف هذه الأوساط، أنّه إذا كانت أهداف الحرب التي شنتها إسرائيل منذ أكثر من عام ضمان الأمن لشمال إسرائيل والسعي لتفكيك المحور الإيراني، فإنّ الهدف الذي تحمله الآن هو تدمير القوة العسكرية لـ«حزب الله» كلياً، وتأمين فك ارتباطها مع طهران نهائياً. ومن الواضح أنّ إدارة دونالد ترامب تتقاطع كلياً مع هذين الهدفين.

وفي هذا الإطار، ثمة إشارتان لافتتان. الأولى، وهي الزيارة التي قام بها وفد من القيادة الوسطى للجيش الأميركي «سنتكوم» إلى القيادة العسكرية الإسرائيلية، حيث اطلع على خطط قيادة الشمال، والثانية والمتعلقة ببدء تحضير سكان المستوطنات الشمالية لاحتمال اندلاع جولة حرب جديدة. وفي موازاة ذلك تعمل واشنطن على تشديد الخناق المالي حول «حزب الله»، أكان على المستوى الداخلي أو حتى الخارجي. وتردّد أنّ واشنطن تركّز رقابتها على مصدرين يؤمّنان المال لـ«حزب الله»، وهما دول غرب إفريقيا، والمثلث المشترك بين الأرجنتين والبرازيل والباراغواي في أميركا الجنوبية.

لكن لفت خلال الأيام الماضية تركيز إعلامي على الجيش اللبناني، وحيث تمّ تناقل معلومات تشير إلى تحذير إسرائيلي عبر واشنطن للجيش اللبناني، يتّهمه بالتقصير، وبأنّ حجم عملياته ضدّ «حزب الله» ليس كافياً. وأوردت القناة 12 الإسرائيلية أنّ تل أبيب قدّمت إثباتات لواشنطن تفيد أنّ الجيش اللبناني لا يعمل على منع إعادة تسليح «حزب الله». وأضافت أنّ إسرائيل حدّدت مهلة للحكومة اللبنانية لنزع سلاح «حزب الله» قبل أن تبدأ عملية هجومية كبيرة، ولكن من دون أن تشير إلى الموعد النهائي لتلك المهلة. وزعمت هيئة البث الإسرائيلية نقلاً عن مصادر في الجيش أنّ الهجوم على لبنان يتمّ تحضيره بالتنسيق مع واشنطن. وجاء ذلك بموازاة كلام للمبعوثين الأميركيين إلى المنطقة، وفي طليعتهم توم برّاك، بأنّ الوقت ينفد، وأنّ على السلطة اللبنانية التحرك لنزع السلاح، وأوحوا بأنّ واشنطن لن تمانع في حال اتخذت إسرائيل قرار الضربة العسكرية. لا بل إنّ هنالك كثيراً من الهمس في الأروقة الديبلوماسية، بأنّ ظروف الضربة العسكرية على «حزب الله» تختلف جذرياً عن تلك التي كانت حاصلة ضدّ حركة «حماس» في غزة. فصحيح أنّ القوة البرّية الإسرائيلية قد تكون منهكة بعد عامين من القتال الصعب في غزة، إلّا أنّ الحملة على لبنان ستتركّز أكثر على القوة الجوية، وربما تحتاج للإستعانة بقوى كوماندوس محدودة للقيام بعمليات موضعية.

وجاء استهداف مبنى سكني يبعد نحو 250 متراً فقط عن مركز الجيش اللبناني في كفردونين الخميس الماضي، بمثابة ترجمة لرسائل التهديد الجاري توجيهها للجيش اللبناني. فالمبنى المستهدف هو سكني بامتياز، وتمّ تأكيد ذلك بعد المسح الذي أجراه الجيش إثر الغارة. وعليه، فإنّ ما حصل كان بمثابة الرسالة الميدانية ضدّ الجيش. وحتى الإستهدافات الخمسة الأخرى التي حصلت، استُبقت بإنذارات الإخلاء، لإضفاء الطابع الحربي عليها ربما، كانت مدنية وسكنية صرف، ولم تكن هنالك أي آثار حزبية عليها. إلّا إذا اعتبرت إسرائيل أنّ «المنشرة» التي كانت موجودة في إحدى هذه الأبنية الخمسة هي هدف عسكري أو لوجستي لـ«حزب الله».

وعلى رغم من هذه الرسائل الحربية تجاه الجيش، إلّا أنّ بعض الأوساط الأميركية المتعاطفة معه تبدي تفهمها للقدرات المحدودة التي تشلّ عمله. فهي تقول إنّه لا يجب أن نخطئ التقدير في تقييم إمكانية حركة الجيش وسط الظروف القائمة، إلّا إذا كان المطلوب «إذية» الجيش وشرذمته. كذلك، تضيف الأوساط نفسها، فنحن لا نسعى لحرب أهلية جديدة لا نعرف كيف ستنتهي. لكن هذه الأوساط باتت تتحدث عن مساحة جديدة يجب «تنظيفها» كلياً من السلاح، وتتجاوز الليطاني لتصل إلى الأولي. وهو ما يعني مسألتين: الأولى، إنهاء الوضع العسكري للمخيمات الفلسطينية ومن بينها عين الحلوة. والثانية، تأمين الواقع الغازي الجديد وشبكاته البحرية، والتي تربط ما بين تركيا شمالاً ومصر جنوباً وقبرص غرباً وإسرائيل ولبنان شرقاً.

بالنسبة إلى المسألة الأولى، فإنّ التقييم الأولي حول مسألة نزع السلاح من المخيمات، أظهر أنّ ما حصل لم يتسم بالجدّية المطلوبة. وأظهرت الجرائم التي حصلت، أنّ خطوط التواصل بين شبكات المخدرات في البقاع والمخيمات الفلسطينية، لا تزال تعمل بسهولة. لذلك باشر الجيش اللبناني منذ فترة بتشديد الخناق وإحكام الطوق حول المخيمات كلها، بما فيها مخيم عين الحلوة. كما عمل على إقفال كل المداخل الجانبية للمخيمات، والتي كانت تصنّف سابقاً كممرات عسكرية. كما تمّ تحريك جميع الأجهزة الأمنية للقضاء على كافة شبكات تهريب المخدرات. وتمّ التنسيق مع الأجهزة الأمنية السورية لتأمين إقفال محكم للحدود. وتنقل الأوساط اللبنانية المعنية وجود تعاون كامل من جانب السوريين مع كل ما يطلبه لبنان منه في هذا المضمار. وهي تعتبر أنّ تهريب المخدرات خصوصاً في منطقة البقاع، انخفض بنسبة تتراوح ما بين 70% إلى 80%، وأنّ العمل جار لإجراء ضبط كامل لهذا الملف. خصوصاً أنّ الاقتناع الغربي واضح بحتمية القضاء على شبكات المخدرات، وأيضاً على الفساد المالي والإداري، كمدخل إلزامي لإعادة بناء ركائز صحيحة وسليمة للدولة اللبنانية.

أما المسألة الثانية والمرتبطة بمنطقة الساحل الشرقي للبحر المتوسط، فإنّ المطروح ضمّ لبنان مستقبلاً إلى منتدى غاز شرق المتوسط، ما قد يفتح هنا حتمية التطبيع، وهو ما يستلزم مظلة أمنية داخلية ملائمة.

وفي وقت تجري إسرائيل تدريبات مكثفة تحاكي مواجهات مع «حزب الله»، ثمة تداول في أنّ العملية العسكرية الإسرائيلية ستكون بحدود الأسبوعين أو الثلاثة كحدّ أقصى. وعلى رغم من الحديث عن تصعيد متدرّج، يُحكى عن تطمينات تلقتها بيروت وأعطتها واشنطن، بضمان تأمين زيارة رأس الكنيسة الكاثوليكية للبنان بعيداً من أي توتير عسكري.

وفي موازاة هذه الأجواء الدقيقة التي تحيط بلبنان، يتمّ تكريس الإنقلاب الهائل الذي طاول سوريا، والذي أدّى إلى نسف المعادلات الإقليمية التي قامت عليها المنطقة سابقاً، من خلال زيارة أول رئيس سوري للبيت الأبيض. فزيارة أحمد الشرع لواشنطن تشبه الإختبار المعقّد، والذي تتقاطع فيه الحسابات الأمنية مع الأبعاد السياسية، ولا شك في أنّ لبنان سيكون موجوداً في بعض جوانب هذه المحادثات. وهذه الزيارة التي تؤكّد انتقال سوريا من الدوران في الفلك الروسي تاريخياً إلى الفلك الأميركي، تؤشر إلى بدء حقبة جديدة في الشرق الأوسط، أقله في الأمد المنظور. وإعلان ضمّ سوريا إلى التحالف الدولي ضدّ الإرهاب يتطلب مستلزمات عملية، كمثل ربط الأجهزة الأمنية السورية بشبكات تواصل عالية السقف وبالغة السرّية مع الأجهزة الأميركية المختصة. والتاريخ علّمنا أنّ إسرائيل قد تنسف لاحقاً أنواع تعاون كهذه بين قوى في المنطقة وواشنطن. لكن على المدى القريب، فإنّ مهمات كثيرة ستتولاها دمشق، ولبنان هو الجار الغربي لسوريا، وحيث لحزب الله مواقع مهمّة عند المناطق الحدودية المتاخمة له. ولذلك تتفهم بعض الأوساط الأميركية أن تحتفظ مجموعات شيعية في البقاع بسلاح خفيف يؤمّن حمايتها، بسبب خوفها من انتقامات قد تأتيه من سوريا بسبب مشاركته في الحرب التي دارت في سوريا. لكن السلاح الثقيل والذي يحمل عنواناً إقليمياً يجب إزالته. فالتأثير الإيراني في لبنان والرهان على الوقت والظروف لاستعادة النفوذ عند الساحل الشرقي للمتوسط، تعارضه واشنطن كلياً.

وقد يكون الدرس الأبرز الذي لا بدّ من استخلاصه من الحرب التي شنّتها إسرائيل على لبنان العام الماضي، أنّ واشنطن جادة في إرساء معادلة جديدة في المنطقة، وأنّ إسرائيل تستغل الحاجة الأميركية لجيشها لترسيخ أطماعها وغرض رؤيتها.

----------------------------

جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار لبنان / تصعيد متدرّج بموافقة أميركية

 

 

 

 

2025-11-10

دلالات: