Sidonianews.net
------------------------
الجمهورية / جوزف الهاشم
الشماتَةُ: آفةٌ في النفوس تبثُّ السموم، والسمومُ مادةُ قاتلة...
والعِبرَةُ: حكمةٌ تُسْتمَدُّ من التجارب والمرارات ونزْفِ الجراح... والجرحُ إنْ هو اندَملَ يترك في الجسم أثراً وندوباً للتذكّر والذكرى.
غزّة: ولا شماتة... أين كانت غزّة، أين صارت غزّة، وماذا بقيَ من غزّة؟
يوم طافتْ غزة بالطوفان، طفْنا معها، والرياح تجري بما لا تشتهي السفن... ساندنا، ناصرنا، وفقَ القاعدة العربية الجاهلية المتوارثة: أنصُرْ أخاك...».
لأنّ طريق لبنان مرّت بغزّة، فلا بدّ منْ أن تمرّ طريق غزة بلبنان، وكمثل ما كان لبنان شريكاً مشتركاً في الحروب، يكون شريكاً مشتركاً في الحلول.
وافقت غزة على خطة الرئيس الأميركي بوقف النار وعلى نزْع سلاح حركة «حماس» بمباركة إيرانية، والرئيس الأميركي بارك إيران وشكرها على ترحيبها بخطّته.
ما ترضى به إيران ترضى به «حماس»، وما ترضى به «حماس» يرضى به لبنان، وليس على القتيل أن يرضى ولا يرضى القاتلُ...
كلُّ عاقل بات يدرك، أنّ مواجهة اعتداءات إسرائيل بالسلاح، لم تعُد تُشكّل: لا أداة منْعٍ ولا أداة ردْع، بلْ أداة جذْبٍ للمسيّرات الإسرائيلية تهَيمن بها احتلالاً واغتيالاً، حتى إنّني سمعت أنّ «حزب الله» أصبح مقتنعاً بأنّ عقيدة القتال من أجل فلسطين قد انتهتْ.
إذاً... لماذا، ولمَنْ تبقى عقيدة القتال، ولماذا ضرورةُ الإحتفاظ بالسلاح في معزلٍ عن حصريَّتهِ بالدولة؟
لأنّ حجم السلاح مع اختلال موازين القوى تعطلّ مفعوله بلغة التعبير السياسي، فإنّ أفضل تعبيرٍ عنه يكون بلغة الشعر، هكذا كان شأن الشاعر الكبير المتنبي: عندما شهر سيفه، في وجه «سيف الدولة» الملك الحمداني، وعندما واجه خصمه بأبيات قصيدته «الخيل والليل والسيف والرمح»، فكانت هذه الأبيات سبباً بمصرعه.
على الأمم أن تتعلّم من تجاربها التاريخية بهدف تأمين الحياة الكريمة لشعوبها، وليس من حقّ قادة الدول أن يغلّبوا ثقافة الموت على ثقافة الحياة، بفعل هَوسِ مجنون بالبطولة.
هذا أيضاً يُعبّر عنه الشاعر الكبير هوميرس في ملحمة الإلياذة وحروب طروادة: «بأنّ الأبطال لا يرغبون بالسلام بل يقاتلون حتى الموت».
أنظروا، إلى حروب طروادة العربية، إلى القتال العبَثيّ حتى الموت، إلى الملايين من القتلى والجرحى والنازحين والباكين: على ذكرى الحبيب والمنزل والدار... وتعالوا ننشد قصائد المتنبي: حول الخيل والليل والسيف والرمح.
أمام محكمة التاريخ لا بدّ من مراجعة ذاتية للمقارنة بين فلسفة الحياة ومجازر الموت، لعلّها مراجعة ذاتية، تلك التي عبّر عنها رئيس العلاقات الدولية في حركة «حماس» موسى مرزوق، وقد قال لجريدة «نيويورك تايمز»، «إنّه لم يكن يؤيّد هجوم 7 أكتوبر على إسرائيل لو كان يعلم حجم هذا الدمار الذي نتج عنه».
ورأيتُها مراجعة ذاتية، تلك التي تشخَّصتْ في الإحتفال الكشفي الذي أقامه «حزب الله» في المدينة الرياضية أواسط هذا الشهر.
بالنشيد الوطني يُستهلّ الإحتفال، والعلم اللبناني بألوانه يرتسم بأجساد المحتفلين على مساحة بارزة، أعلامُ لبنان ترتفع بكثافة خفّاقةً من دون أن تطغى عليها أعلام أخرى.
هنا يكمن صلب الموضوع: حصرية العلَم وحصرية النشيد وحصرية الهوية تُشكّل حصرية الولاء، وعند حصرية الولاء لا تعود حصرية السلاح بيدِ هذا الفريق أو ذاك تُشكّل مشكلة، ولا يعود هناك خلافات مفتعلة: لا على النظام ولا على السيادة ولا على الدستور ولا على القوانين ولا على التركيبة السلطوية في الدولة.
ما دام كلّنا للوطن، ليس كلّنا دون كلّهم، وليس كلّهم دون كلّنا.
-----------------------------
جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار لبنان والعالم العربي / طريق غزّة تمرّ بلبنان
2025-10-24








