Sidonianews.net
-----------------------
الجمهورية / طوني عيسى
في زمن السعي الإسرائيلي إلى التوسع في كل الاتجاهات، من الضفة الغربية إلى غزة فالجنوب السوري، ثمة مخاوف جدّية على الجنوب اللبناني، وتحديداً جنوب الليطاني الذي بات عنواناً يتجاوز قصة «نزع السلاح»، إلى الخطر الداهم على الحدود الجغرافية للكيان اللبناني.
فيما يغرق اللبنانيون في السجالات العبثية حول مفهوم السلاح بين جنوب الليطاني وشماله، تكسب إسرائيل مزيداً من الوقت لفرض وقائع جديدة. فما يجري اليوم في جنوب الليطاني، حيث يُقال إنّ سلاح «حزب الله» يُنزع ببطء، يثير التساؤلات عمّا ستؤول إليه المنطقة. فكيف يمكن استثناء الجنوب من هجمة بنيامين نتنياهو ورفاقه لتنفيذ الأحلام التوسعية القديمة، والتي جاهروا بها قبل أيام عندما رفعوا عالياً خريطة إسرائيل الكبرى؟
المشهد الحالي في جنوب الليطاني يبدو حافلاً بالتناقضات. فعملية نزع السلاح هناك «ماشية» ولو في بطء، ويبدي «حزب الله» مقداراً مدروساً من التعاون مع الجيش، لعلّه يقلّص حجم الضغوط الدولية والإقليمية التي يتعرّض لها. لكن هذا المقدار من «التعاون» يضعه الإسرائيليون في دائرة الرصد الحثيث، من خلال أجهزتهم وطائراتهم ومسيّراتهم، وكذلك لجنة «الميكانيزم»، ويطالبون بتصفية أي وجود مسلح لـ»الحزب» أو أي قوة أخرى غير الجيش و»اليونيفيل» هناك.
المثير هو أنّ «الحزب» يبدو راضياً بالتخلّي عن سلاحه في جنوب النهر، ما دام هذا الحل يعوّضه نزع سلاحه بكامله، في لبنان كله. ولذلك، قبل أيام، لوّح «الحزب» بوقف التعاون مع الجيش في جنوب النهر، إذا كان فعلاً يريد المسّ بالسلاح في شماله. وهذا يعني ضمناً نوعاً من المقايضة: نعطيكم ما تريدون جنوب الليطاني، مقابل أن تنسوا سلاحنا الموجود في شماله. و»إذا عدتم عدنا»، أي إننا مستعدون لتعطيل اتفاقنا جنوب النهر إذا قررتم تجاوز حدودكم في الشمال. وهذا الرفض الصريح، الذي وصل إلى حدّ التهديد بالمواجهة المباشرة مع الجيش إذا حاول نزع السلاح بالكامل، يكشف أنّ هناك خطوطاً حمراً رسمها «الحزب». وهو ما يضع الحكومة اللبنانية في مأزق حقيقي.
في عبارة أخرى، الحكومة هي المتضررة من هذا الإشكال، لكن المستفيد هو إسرائيل وحدها. فما يهمّها من الملف ليس إضعاف «حزب الله» في الجنوب فحسب، بل أيضاً تحقيق مكاسب استراتيجية طويلة الأمد. إنّها لا ترى في نزع سلاح «الحزب»، جنوب الليطاني، نهاية للمشكلة بل على الأرجح خطوة أولى نحو تحقيق أهداف أكبر.
منطقياً، لا شيء يمنع أن تكون خطط إسرائيل لجنوب لبنان مشابهة لخططها في جنوب سوريا والضفة وغزة. فهي مثلاً تطلب نزع سلاح «حماس»، لكنها في النهاية تسعى إلى السيطرة على غزة عسكرياً وتقرير مصيرها سياسياً. كما بدأت تعدّ العدّة لضمّ غالبية الضفة الغربية. ولذلك، هناك مخاوف حقيقية على مصير الجنوب اللبناني، ولا سيما منه جنوب الليطاني.
البعض يخشى، في المرحلة الأولى، تكرار سيناريو «الشريط الحدودي» الذي أقامته إسرائيل في الجنوب منذ سبعينيات القرن الفائت، ولكن بنسخة جديدة معدلة، وبأساليب جديدة. ففي ذلك الوقت، هي استغلت الفوضى والنزاع في لبنان لإقامة منطقة أمنية عازلة استمرت عقوداً، وفرضت فيها وجودها العسكري والسياسي.
اليوم، ومع فكرة نشر قوات متعددة الجنسيات في المنطقة، بعد انتهاء مهمات قوات «اليونيفيل»، تتجدد المخاوف، إذ يتوازى ذلك مع فكرة «المنطقة العازلة» التي يُراد لها أن تنشأ تحت غطاء دولي، وسط شكوك في عودة الأهالي إلى قراهم المهدّمة، أو إعادة الإعمار. وهذا الواقع ستستفيد منه إسرائيل لتدعيم قبضتها على المناطق الحدودية وتوسيعها إلى حدود يصعب توقعها، ولا أحد يضمن عدم ضمّها في المستقبل، أي بعد عقود، على غرار ما فعلت في الجولان السوري، وما تخطط لفعله في مناطق أخرى.
إنّ سياسة الضمّ هي جزء معلن وأصيل من مشروع إسرائيل التوسعي، منذ قيامها. ولكن، يجري تعديل الخطط في كل مرحلة لتتكيّف مع الظروف الإقليمية والدولية. والمخاوف من «قضم» أجزاء من لبنان ليست مجرد تكهنات، سواء استمر نزع سلاح «حزب الله» في الجنوب، أو توقف: إذا استمر، ستكون إسرائيل قد حققت أحد أهدافها الاستراتيجية، وهي إبعاد تهديد «حزب الله» عن حدودها الشمالية، وربما تمهيد الطريق لإقامة منطقة عازلة جديدة تحت إشراف دولي. وأما إذا توقف، فإنّ إسرائيل ستكون قد امتلكت الذريعة لاستمرار عملياتها العسكرية، وربما شن عملية أوسع نطاقاً تفرض وقائع جديدة على الأرض.
هذا يعني أنّ على القوى المعنية في لبنان أن تدرك حقيقة الوضع المصيري الذي وصل إليه الجنوب، وسط هيجان إسرائيل التوسعي في اتجاهات مختلفة. فـ«حزب الله» سيقاتل للحفاظ على سلاحه مهما كلفه ذلك، ولكنه في المقابل لن يستطيع الحفاظ على الجنوب مهما فعل. وفي عبارة أخرى، عليه أن يقرر: ما هي الغاية بالنسبة إليه: السلاح أم الأرض؟ وكيف يحققها، بالنار أم بالديبلوماسية؟ وعليه أن يفكر: ما حاجته إلى ترسانة السلاح في شمال الليطاني، التي انقطعت عنها خيوط الدعم بكاملها، إذا كانت الأرض في جنوب الليطاني، التي هي الغاية الحقيقية، قد طارت؟
يقول «الحزب» إنّ إسرائيل في صدد تنفيذ مخطط التوسع في لبنان والمنطقة العربية. ولكن، كيف قرر إحباط هذا المخطط في لبنان؟ هل بالحروب على طريقة حرب الـ11 شهراً، التي منحت إسرائيل فرصة لدخول لبنان والتوسع؟ إنّها لحظة تاريخية سيتحمّل فيها كل طرف مسؤولية عن خياراته أمام الأجيال القادمة.
------------------------
جريدة صيدونيانيوز.نت / أخبار لبنان / جنوب الليطاني في خطر
2025-09-09