Sidonianews.net
-----------------------
الجمهورية / طوني عيسى
في زياراته للبنان، لا يتكلم توم برّاك بلغة الألغاز. هو يقول: نحن لا نضغط عليكم لتوافقوا على الحلول التي نطرحها. لسنا مضطرين إلى ذلك، لأنكم انتم يجب أن تعرفوا أين هي مصالحكم. وبكل بساطة، إذا لم تركبوا القطار في الشرق الأوسط، فسيمر ويترككم وحدكم في المحطة. الآخرون جميعاً، من حولكم، حجزوا المقاعد. وذات يوم، ستركضون وراءنا مجدداً، لنساعدكم. لكن ركاب القطار سيتجاهلونكم!
بات واضحاً ما تعمل له إدارة دونالد ترامب، بديناميكية فائقة، ضمن بقعة إسرائيل- سوريا- لبنان، في الأشهر الأخيرة. هي تستعجل تبديل المناخات الحالية لبناء شبكة «علاقات طبيعية» بين الدول الثلاث المتجاورة التي يُراد منها أن تكون بقعة ازدهار لمصالح واشنطن، تشكّل امتداداً للخط الاستراتيجي الممتد من الشرق إلى المتوسط، مروراً بالخليج العربي. وكرجل أعمال في قالب رجل دولة، يبدو ترامب في صدد التحضير لزيارة إسرائيل في كانون الأول المقبل. وعلى الأرجح، هو يريد بهذه الزيارة تتويج ورشة العمل المفتوحة بين إسرائيل وسوريا ولبنان، بجهود الموفدين الأميركيين، وفي مقدّمهم توم برّاك ومورغان أورتاغوس.
بإتقان شديد، يقوم الموفدان بترتيب العلاقة بين أركان الثلاثي الشرق أوسطي:
1- لم يكن أحد يتصور أنّ سوريا، في العام 2025، ستنخرط في مفاوضات أمنية- ديبلوماسية مع إسرائيل، برعاية الولايات المتحدة وفرنسا وتركيا. وواضح أنّ هذه المفاوضات ستوصل إلى اتفاقات قريبة، أمنية على الأرجح، لكنها ستفتح الأبواب لاتفاقات سياسية. وهذا الاتجاه يُترجم خصوصاً باللقاءات التي عُقدت أخيراً في باريس وجمعت وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، بمشاركة برّاك.
2- يشجع توم برّاك لبنان، وبقوة، على حل إشكالاته القديمة مع دمشق، ما يؤدي إلى تطبيع العلاقات بين البلدين. وهذا ما ستترجمه ورشة الزيارات الرسمية اللبنانية والسورية المتبادلة، والتي يفترض أن تؤدي إلى تبديد الخلافات القديمة في ملفات شائكة كالنازحين والمساجين والمفقودين وأزمة ودائع السوريين في المصارف اللبنانية، وطبعاً ترسيم الحدود براً وبحراً. فللمرّة الأولى، يضغط الأميركيون بكل قوتهم على البلدين لإزالة أسباب التوتر وتطبيع العلاقات.
3- يعمل الأميركيون طبعاً على إطفاء النار بين إسرائيل ولبنان، من خلال الإنجاز المنتظر تحقيقه في لبنان، أي نزع سلاح «حزب الله»، وتسليمه إلى الدولة. وهذا الإنجاز مفترض تحقيقه قبل نهاية السنة الجارية. واللافت أنّ بنيامين نتنياهو أعلن صراحة أنّه سيلتزم تماماً بسحب قواته من لبنان، عندما يكتمل نزع السلاح، فيما يسوّق الأميركيون مشروعاً تنموياً في المنطقة اللبنانية المحاذية للحدود، يكون جزءاً من مشاريع السلام المرتقبة، بعد وقف الحروب وإقرار التسويات.
بهذا المعنى، يمكن القول إنّ واشنطن تفرض حصاراً سياسياً واقتصادياً هائلاً، كشبكة عنكبوت، على إسرائيل وسوريا ولبنان، للدفع نحو اتفاقات تبدأ بالطابع الأمني، لكنها قد تصبح سياسية في نهاية الأمر، خصوصاً إذا وافقت إسرائيل على التزام مبادرة بيروت العربية للسلام، الصادرة في العام 2002، والتي ترتكز إلى شرطين أساسيين: الاعتراف بـ«حل الدولتين»، واعتماد مبدأ الأرض مقابل السلام.
ففي الموازاة، ثمة ضغوط يمارسها الأميركيون لإنهاء الحرب في غزة، تواكبها استعادة للجهود العربية والدولية لخلق صيغة معينة تعترف بوجود دولة فلسطينية. وطبعاً، هناك من يشكّك كثيراً في مدى جدّية إسرائيل في القبول بدولة فلسطينية ذات حدود جغرافية واضحة وسيادة، لكن الجهود العربية والدولية في هذا المجال لم تتوقف.
المؤكّد أنّ الأميركيين يضعون سقفاً زمنياً محدّداً لكل هذه الاستحقاقات هو نهاية السنة الجارية: نزع سلاح «حزب الله» وتكريس سلطة الدولة، وفق القرار المعلن في مجلس الوزراء، وترتيب الملفات الشائكة بين لبنان وسوريا، وتحقيق خرق في الاتصالات السورية ـ الإسرائيلية، ونجاح الدولة اللبنانية في إقرار ترتيبات أمنية مع إسرائيل. وكل هذه التحولات ستكون برعاية أميركية مباشرة.
ولذلك، على الأرجح، ستكون زيارة ترامب المحتملة لإسرائيل في كانون الأول، وفق ما أعلن الإعلام الإسرائيلي قبل يومين، تتويجاً لدخول إسرائيل وسوريا ولبنان في مناخات التسوية الشاملة، إلّا إذا فشل الجميع في التصدّي لهجوم «حزب الله» الذي هو قيد الإعداد، دفاعاً عن السلاح والمواقع الأخيرة المتبقية. وهذا الهجوم سيتمظهر في أشكال عدة على الأرجح، من «الانفجار الشعبي» في الشارع إلى رفع الأصابع على المنابر.
---------------------------
جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار لبنان / واشنطن تضغط لسلام إقليميّ قبل نهاية 2025
2025-08-26