Sidonianews.net
---------------------
الجمهورية
جوزف القصيفي نقيب محرري الصحافة
لا يعني حصر السلاح بيد الدولة من حيث المبدأ والواقع إنتصاراً لفريق على فريق في لبنان. هذه مسلّمة لا جدال فيها، إذا أريد لهذا البلد أن يخرج من النفق الذي أوجد نفسه فيه بسبب النزاعات والتجاذبات الدولية والإقليمية على أرضه، والمخاوف والهواجس التي تسكن مكوناته، سواء كان لها ما يبرّرها أو مبالغ فيها، ولا تستند إلى معطيات عملية.
إنّ الضجّة المثارة حول موضوع سلاح «حزب الله» زجّت لبنان في منعطف خطير يهدّد الاستقرار العام وليس بحرب أهلية، لا يبدو حتى الساعة أنّ أحداً من الأفرقاء يريد الذهاب إليها، مهما رفع سقف تصويبه على آلاخر وغالى في إتهاماته وشكوكه. ولكن هناك وقائع يجب التوقف عندها، وعدم الإقلال من خطورتها حتى ثبوت العكس:
أولاً: تزامن الحديث عن إتجاه إسرائيل إلى إقامة مناطق عازلة من غزة إلى الجنوب السوري، مروراً بجنوب لبنان، مع تسريبات عن نيتها في ضمّ 14 بلدة وقرية لبنانية حدودية إليها، والاحتفاظ بعدد من المواقع في داخل لبنان، بغرض ضمان أمنها، وإبعاد أي تهديد عملي وعملاني لمستوطناتها الشمالية. وقد نفى المسؤولون اللبنانيون تلقّيهم من الجانب الأميركي أي مقترح رسمي إسرائيلي بهذا الصدد. وهذا ما تحقق منه عضو الكونغرس الأميركي داريل عيسى لدى سؤال رئيس الجمهورية عن هذا الموضوع. كما أنّ ورقة الموفد الأميركي توم برّاك تتناقض مع السيناريو الذي تمّ تداوله. ويقول مصدر متابع للتطورات، والسيناريوهات، أن ليس مستبعداً أن تحاول إسرائيل ضمّ بلدات وقرى لبنانية إليها إذا توافر لها تأييد دولي، ولاسيما أميركي. على انّ نجاحها في تحقيق هدفها يعني أنّها نسفت قرار وقف إطلاق النار، والقرار الدولي الرقم 1701، ولن يكون لبنان الرسمي في وضعية تؤهّله القبول باقتطاع جزء من أراضيه، والقبول بسلخ أراضيه، والعبث بالحدود الدولية المنصوص عنها بالدستور. وقد تضغط إسرائيل لضمّ هذه البلدات والقرى إليها، لكن المنطق- قبل المعطيات- يقول إنّ الحكومة اللبنانية لن تقبل، أو غير قادرة، أو الاثنين معاً، على توقيع إتفاق أو تفاهم أو معاهدة مع الدولة العبرية، تسوغ لها ضمّ بلدات وقرى وإحداث مواقع عسكرية متقدّمة داخل لبنان وعلى تخوم حدودها معه.
هل إنّ ما سُرّب هو لمراكمة الضغط على لبنان الرسمي، ومزيد من الحصار الديبلوماسي، السياسي، العملاني ضدّ «حزب الله»، أم أنّه يرمي إلى تأخير الإنسحاب الإسرائيلي من النقاط الخمس، واستمرار احتجاز الأسرى، ومواصلة العمليات الأمنية بواسطة المسيّرات، تمهيداً لقيام الجيش الصهيوني بعملية واسعة النطاق ضدّ الحزب بدعم مباشر من الإدارة الأميركية؟ وكان علي لاريجاني قد أسرّ في زيارته الأخيرة إلى لبنان لعدد من الذين إلتقاهم، أنّ إسرائيل تتهيأ لحرب واسعة وأكثر تدميراً ضدّ الجمهورية الإسلامية في تشرين الثاني المقبل، وأنّ ألأخيرة تستعد للمنازلة وتعدّ لها كل أسباب الردع، وتعمل على إفقادها عنصر المبادرة وتحصين الجبهة الداخلية التي تجتهد تل أبيب لزعزعتها. وتمهيداً لذلك، فإنّ ثمة توقعاً بقيام الأخيرة بسلسلة عمليات عسكرية واسعة ضدّ «حزب الله» في أي مكان من لبنان ضمن سياق الهدف الرئيس الذي وضعته لسياستها الجديدة في المنطقة: «تحقيق إسرائيل الكبرى من خلال فرز وقائع ميدانية في كل الدول المحيطة بها لإبعاد أي خطر عسكري عن الكيان العبري»، على أن يؤدي ذلك إلى واقع سياسي مختلف يقوم على توقيع إتفاقات جماعية أو ثنائية بين هذه الدول وإسرائيل تكون أقرب إلى التطبيع، وتأخذ في الاعتبار خصوصية كل بلد أو شعب. وهكذا يتحقق حلم بنيامين نتنياهو بالدولة التي لوّح أخيراً بإقامتها من دون الحاجة إلى ضمّ دول، بل إلى أحزمة أمنية واقية من مصر إلى غزة، فالاردن، وسوريا ولبنان.
ثانياً: إنّ تسليم سلاح المخيمات الفلسطينية في لبنان، وبصرف النظر عن التعليقات حول أهمية هذه الخطوة وجدّيتها من عدمها، لا يقدّم أو يؤخّر في المسار العام الداخلي توطيداً للأمن، لأنّ الجيش وسائر القوى الأمنية الشرعية تقوم بمهماتها في ضبط المخيمات. أما الأهم، فهو ألّا يكون تسليم السلاح الفلسطيني ذراً للرماد في العيون، يؤشر إلى بداية تخلٍ شبه علني عن مسألة حق العودة المرتكز إلى القرار الرقم 194/48، الأمر الذي يُخشى معه تجاوز واحدة من لاءات الدستور اللبناني الواردة في وثيقة الوفاق الوطني: لا للتوطين. وهو ما يرفضه لبنان قطعاً وخصوصاً رئيس الجمهورية جوزاف عون، الذي أكّد مراراً وتكراراً رفضه للتوطين والتقسيم والتجزئة، إيماناً منه بوحدة لبنان أرضاً وشعباً، ووفاءً لقَسَمه الدستوري.
ثالثاً: عدم التوصل حتى الساعة إلى لغة مشتركة بين الحكومة و»الثنائي الشيعي» حول قرار الأولى بحصر السلاح بيد السلطة اللبنانية. ولكن الأبواب ليست موصدة في ظل التواصل الدائم بين رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي المباشر وغير المباشر، والخطوط المفتوحة بشكل أو بآخر مع قيادة «حزب الله». وبالتوازي، فإنّ الحرب الإعلامية المفتوحة بين الأفرقاء ترخي بثقلها على المشهد العام، بما يمدّد حال عدم الاستقرار السياسي في البلاد.
إنّ لبنان يعبر أكثر المراحل دقّة. وإنّ تشرين الثاني محطة مفصلية، لأنّ المواجهة أو المهادنة بين واشنطن وتل ابيب سترسم صورة المستقبل... فيما الكمون الإسرائيلي يتحفز للتصويب على كل تقدّم في اتجاه الحل الذي لا يلائم سياسات نتنياهو.
-------------------------
جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار لبنان / تشرين 2 لناظره... ولبنان بين سقفي واشنطن وطهران
2025-08-25