Sidoniannews.net
--------------------
"الجمهورية ":
أمرٌ وحيد يجب الإقرار به، هو أنّ السياسة المسمومة في البلد، بالتضافر والتضامن مع غرف الشحن والتجييش والتحريض، نجحت في تلويث الأجواء اللبنانية، وتعميم الخوف في كلّ الأرجاء، من أنّ لبنان يوشك أن يدخل في الزمن الصعب. هذا هو واقع الحال الذي ترسّخ في «اسبوع القرارين»، اللذين اتخذتهما الحكومة بسحب سلاح «حزب الله» والموافقة على أهداف ورقة المبعوث الأميركي توم برّاك. وما بين مؤيّدي القرارين ومعارضيهما تنبري مجموعة من الأسئلة القلقة: ماذا بعد؟ وما هي الخطوة التالية؟ وهل سيكمّل مسار التصعيد السياسي، وربما غير السياسي تدحرجه الخطير، أم أنّ المجال مفتوح للعثور على حلّ عقلاني يكبح هذا التدحرج وينجّي البلد من السقوط في المحظور؟
أزمة كبرى
هذه الأسئلة، ومثلها الكثير يتداولها الناس. فالبلد وباعتراف الجميع هوى إلى أزمة كبرى معدومة المخارج، واللبنانيون زُجُّوا في قفص مفخخ بسيناريوهات مجهولة تُسقَط عليهم من المهوّلين، والعابثين، والمسترزقين، والنافخين في نار الأزمة، ومحترفي الرقص على الأطلال، وأقلّها يضع البلد على كفّ عفريت، ينذر بضربة قاضية لحاضر البلد ومستقبله.
في الخلاصة، تعدّدت الاحتمالات والسيناريوهات، والضحية واحدة هي البلد وأهله، وفي هذا المأزق المخيف، كلّ الأطراف، ومن دون استثناء أي منها، امام لحظة الحقيقة، وامتحان الوطنية والإحساس بالمسؤولية، والانتصار الجدّي والحقيقي للبلد ومصلحته، فالمسار كما هو واضح في انحدار متسارع وبلا كوابح، والخوف الخوف من أن تسود لغة الشارع التي بدأت تطلّ برأسها من عمق التنافر والتباعد والانقسام.
الارتدادات تتسارع
الواقع اللبناني يهتز، وباب ارتدادات القرارين وما سبقهما ورافقهما وتلاهما من تأييد واعتراض، مشرّع على مصراعيه، فالشارع كما تبدّى في الساعات الأخيرة يسوده غليان خطير يشرّع بدوره الباب على أسوأ الاحتمالات، وأهل الربط السياسي والرسمي بَعّد بينهم القراران، ويكاد لا يكون للثقة مطرحٌ في ما بينهم، وتوزّعوا بين اصطفافين متعاكسين، لكلٌ منهما خريطة طريق انتهجها في هذه المواجهة، وقد لا يتأخّر الوقت والحالة هذه، ليذوب ما تؤكّد عليه الرسائل المباشرة وغير المباشرة بـ«الحفاظ على الشعرة الرفيعة التي ما زالت تربط هذه الخطوط ببعضها البعض»، ويطفو ما يغلي في الصدور على السطح.
لا عودة إلى الوراء
الحكومة قالت كلمتها بإقرار القرارين. واللافت في هذا المستجد هو إجماع أطراف الاشتباك على القرارين على أنّ ما بعدهما غير ما قبلهما. واستطلعت «الجمهورية» متحمسين لقراري سحب السلاح والموافقة على الورقة الأميركية، عن الخطوة التالية، فبرز تأكيد على «أنّ الحكومة اتخذت القرارين ليس لوضعهما على الرف، بل لتنفيذهما، دون التأثر بأي تهويل أو معوقات سياسية او غير سياسية تعترض طريقها، وعلى كل الأطراف، وخصوصاً من قرّروا الاعتراض، أن يدركوا أنّ المسار انطلق، ولن يعيقه أو يوقفه شيء، فخطاب القَسَم لرئيس الجمهورية حدّد المسار، والبيان الوزاري محلّ إجماع عليه من كلّ الأطراف، والحكومة عملت بموجبهما، وتبعاً لذلك لا عودة بعقارب الساعة إلى الوراء».
من هنا، تؤكّد مصادر سياسية لـ«الجمهورية»، أنّ «حلبة القرارين مرشّحة للدخول في تجاذب سياسي أكثر حدّة مما هو عليه اليوم. فالحكومة بقرارها تكليف الجيش اللبناني إعداد خطة ضمن فترة لا تتعدى نهاية الشهر الجاري لسحب سلاح «حزب الله»، ألزمت نفسها بقرار تنفيذي لهذه الخطة وضمن فترة زمنية حتى آخر السنة (5 اشهر). ولكن دون هذا التنفيذ تعقيدات كبرى ومحاذير، وأكثرها صعوبة عدم اعتراف الحزب بالقرار واعتباره غير موجود، ورفضه القاطع التخلّي عن سلاحه. والحكومة بالتزامها بالتنفيذ، لا تستطيع الّا أن تسلك هذا المسار، لأنّ عدم التنفيذ يعني سقوطها، وخضوعاً لإرادة «حزب الله». فكيف في هذه الحالة سيُصار إلى التنفيذ؟ وبأيّ وسيلة؟ وهل بالصدام واستخدام القوة؟ وهل هناك قدرة على ذلك؟ واذا ما حصل ذلك، هل من يقدّر حجم التداعيات؟
كما أنّ الحكومة، تضيف المصادر، بقرارها الموافقة على أهداف الورقة الأميركية، «ثبّتت هذه الورقة على طاولة مجلس الوزراء، بحيث صار من الصعب جداً سحبها وإهمالها أو حتى تأجيلها، فلسحبها وإهمالها وتأجيلها ثمن باهظ مع الأميركيين الذين كانوا اول من رحّب بقرار الحكومة، وبالتالي ألزمت الحكومة نفسها باستكمال البحث فيها لإقرارها، بمعزل عن اعتراض ثنائي حركة «أمل» و«حزب الله» عليها، ومن هنا فإنّ المرجح أن يكمل هذا المسار بالدعوة قريباً إلى جلسة او جلسات لمجلس الوزراء حول الورقة الأميركية، وهذا يعني البقاء في دائرة الاشتباك بين الحكومة بأكثريتها الموافقة على هذه الورقة، وبين «الثنائي الشيعي» (حركة «أمل» و«حزب الله») وبيئتهما التي عبّرت عن نفسها ببعض التحرّكات في الشارع.
خلاصة الأمر، الوضع أكثر من حرج، وكلّ الأطراف عالقون ليس في عنق زجاجة، بل في «شيليمون» ضيّق، الخروج منه يتطلّب معجزة. ومن هنا، فإنّ الإشتباك هو عنوان المرحلة، وربما اشتباك مفتوح بلا سقف، وثمة صعوبة كبرى في تقدير خواتيم الامور وأي شكل سترسو عليه».
لا ميثاقية
الصورة في مقلب «الثنائي الشيعي»، وكما لاحظت «الجمهورية»، تظهر بوضوح «واقعاً مُستفَزًّا، وحالاً من عدم الإطمئنان، وغضباً عارماً على كلّ المستويات، وشعوراً بالإستهداف المتعمّد لواحد من المكوّنات الأساسيّة في البلد، وتجاوزاً له في أمر يهدّد مصيره ويضرب مصلحة البلد في الصميم.
يواكب ذلك حذر شديد من أن يكون خلف الأكمة امور أخرى أبعد من القرارين. وفق ما عبّر مصدر مسؤول في هذا الجانب لـ»الجمهورية»، حيث كانت أمام الحكومة فرصة في جلسة الخميس للتصحيح والعودة عن الخطأ، ولكنهم أصرّوا على تعميق الجرح، ولم ينقلبوا فقط على خطاب القَسَم والبيان الوزاري، بل انقلبوا على الدستور باتخاذ قرارات غير شرعية وغير ميثاقية في غياب المكوّن الشيعي، ونسفوا بذلك الفقرة «ي» من مقدمة الدستور التي تقول ما حرفيته :»لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك».
واللافت في كلام المصدر المسؤول عينه قوله «انّ التبريرات حول انّ الضغوط الخارجية التي مورست على كبار المسؤولين والسياسيين وحدها هي التي دفعت إلى اتخاذ القرارين، لا تعبّر عن الحقيقة الكاملة، حيث انّ الاتصالات المكثفة التي سُمّيت ضغوطاً كانت واضحة وشبه علنية وباللغتين الأميركية والعربية، وبعض كبار المسؤولين نقلوا شكواهم منها إلى مستويات وجهات سياسية معارضة للقرارين، الّا انّ الجهات الضاغطة لم تتكبّد أي عناء، وخصوصاً انّها تلاقت مع إرادات داخلية سبقت الضاغطين بمسافات، وليست في حاجة أصلاً الى ضغوط لتتأثر بها».
وعندما سُئل المصدر المسؤول عينه عن كيفية مواجهة ما استُجد، اكتفى بالقول: «المواجهة بدأت الآن، طبعاً المواجهة السياسية لقرارين لا يمكن القبول بهما، والكرة ليست في ملعبنا بل هي في ملعب من اتخذهما. وبالتأكيد أنّ تطور الامور مرهون بما قد يبرز من تطورات».
حذارِ الفتنة
إلى ذلك، علمت «الجمهورية»، انّ اتصالات على مستويات سياسية وأمنية جرت بصورة مكثفة خلال اليومين الأخيرين، جرى خلالها التأكيد على احترام إجراءات الجيش اللبناني في حماية السلم الأهلي، وحفظ أمن واستقرار البلد، وهذا معناه إحباط أي محاولة لتوتير الشارع او قطع الطرقات، ومنع حصول أي مظاهر وتحرّكات استفزازية او توتيرية من أي نوع كانت». وبحسب المعلومات، فإنّ ثنائي «حركة «امل» و»حزب الله» عبّرا عن حرصهما على السلم الأهلي، وليسا معنيَّين بأيّ تحرّك من شأنه أن يمسّ به، وهما اصلاً ليسا في هذا الوارد».
بدوره أكّد مرجع سياسي لـ«الجمهورية»، أنّ السلم الأهلي خط أحمر، وانّه يرفض أي تحرّكات في الشارع. وخصوصاً انّ «التجربة مع الشارع دلّت اننا نكون بشارع فنصبح بشوارع خارجة عن السيطرة».
وحذّر المرجع عينه من «فتنة يُعمل لها من جهات تريد تخريب البلد»، وقال: «هناك من يريد الفتنة بين الشيعة والمسيحيين، وهناك من يريد الفتنة بين السنّة والشيعة، هذا واقع يجعلني أخشى أن اقول بأنّهم لا يريدون السلاح بقدر ما يريدون استهداف الشيعة بصورة عامة. كل ذلك، يجعلنا نتمسك بثوابتنا اكثر، وبحرصنا على لبنان وسلمه الاهلي اكثر، وبالتالي نحن لن نكون طرفاً في أي فتنة، بل سنواجهها ونمنعها، ولعن الله من يوقظها، فليفعلوا ما يشاؤون، وليمعنوا في الاستفزاز قدر ما يريدون، ولن ننجرّ إلى حيث يريدون أن يأخذونا. وللجميع نقول حذارِ الإنجرار إلى الفتنة ، والمطلوب هو التروّي وعدم الانفعال وتجنّب ما يحقق للخبثاء ما يريدونه».
ورداً على سؤال قال المرجع السياسي: «نحن ممثلون في الحكومة، ولن نغادر الحكومة بل سنبقى فيها، ووزراؤنا، لن يستقيلوا، فقد مارسوا حقهم الطبيعي في الإنسحاب من جلسة مجلس الوزراء احتجاجاً على أمر ضدّ مصلحة البلد، وموقفهم ثابت حياله. اما في ما خصّ الامور الأخرى فسيكملون مهامهم بصورة طبيعية».
وعمّا إذا كانت ظروف ما او تطورات تفرض مواجهتها بأبعد من خطوة الانسحاب من جلسة مجلس الوزراء، أي إلى تعليق المشاركة في الجلسات او الاستقالة من الحكومة، اكتفى المرجع السياسي بالقول: «لا تستعجلوا الظروف والتطورات، ودعونا الآن في ما نحن فيه، الوزراء انسحبوا من الجلسة وليس من الحكومة».
وعمّا إذا كان الباب ما زال مفتوحاً على حلول تخفف من وطأة الأزمة قال: «مفتاح الحلّ في يدهم وليس في يدنا. قلنا لهم انّ ما تُقدمون عليه أمر خطير جداً، قلنا لهم صحّحوا، فلم يفعلوا، فهل نقبل بذلك، لا. كل الأعراف والمواثيق الدولية والوطنية والأخلاقية والإنسانية تعطي الحق بالمقاومة والدفاع عن البلاد التي يُعتدى عليها، فكيف أجرّد نفسي من قوتي، وكيف أسحب السلاح والعدو يهدّدني، ويحتل أرضي وفوق رأسي ويستبيح سيادتي بالعدوان اليومي والاغتيالات على امتداد لبنان؟ وكيف أوافق على ورقة حلّ أميركي تطلب مني كل شيء ولا تجرؤ على أن تأخذ شيئاً من إسرائيل أو تلزمها بوقف العدوان؟ الجواب لا ننتظره من الخارج فهو يعبّر عن نفسه في الورقة الأميركية، بل ننتظره من شركائنا في الداخل».
عون في المؤتمر الاغترابي
افتتح الرئيس ميشال عون مؤتمر الاقتصاد الاغترابي الرابع بكلمة وجّه فيها الشكر للبنانيين المنتشرين في العالم على دعمهم المتواصل للبنان، مؤكداً أن المغتربين شكّلوا النبض الذي حافظ على الحياة الاقتصادية خلال الانهيار، إذ بلغت التحويلات السنوية 6.5 مليار دولار وشكّلت 33% من الناتج المحلي في ذروة الأزمة.
وشدد على أن المرحلة المقبلة تتطلب شراكة حقيقية مع الاغتراب، ليس فقط عبر الدعم المالي، بل من خلال الاستثمار ونقل المعرفة وخلق فرص العمل ودعم المشاريع الصغيرة. وأشار إلى بدء تنفيذ إصلاحات أساسية، بينها إعادة هيكلة القطاع المصرفي، الشراكة بين القطاعين العام والخاص، واستقلالية القضاء، بهدف خلق بيئة آمنة وشفافة للمستثمرين.
----------------------
جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار لبنان / الجمهورية : الداخل مسموم… وتحذير من الشارع والفتنة أزمة القرارين تتفاعل وترقّب للخطوات التالية
2025-08-09