الرئيسية / أخبار لبنان /شؤون إعلامية وصحافية /صناعة الرأي في خبايا العالم الرقمي -الإفتراضي...بقلم الشريف علي صبح

الشريف علي صبح (باحث وكاتب وإعلامي لبناني )

جريدة صيدونيانيوز.نت / صناعة الرأي في خبايا العالم الرقمي -الإفتراضي...بقلم الشريف علي صبح

Sidonianews.net

---------------

بقلم : الشريف علي صبح

من خلال تطوّر وسائل الإتصال والثورة التكنولوجية والتسارع الرهيب أصبحت نظريّة غوستاف لوبون مدرسة رائدة في صناعة الرأي بكلّ أشكاله، بالتزامن مع دمج وسائل وتقنيّات الذكاء الاصطناعي بشكل ظاهر مليًّا لما تصدرّت هذه التقنيّات الإعلام الجديد من خلال دمج الهوية الإجتماعيّة والحاجات والرغبات وتوظيف الغرائز وعلم نفس الإعلام بتجانس محكم. لنشهد عالمًا رقميًَا جديد استفاد من كلّ الوسائل والتطوّرات في المناهج وحتى التقنيّات للتواصل مع الجماهير؛ وفي قمّتها مواقع التواصل الإجتماعي وبرامج الذكاء الاصطناعي.
على هذا الأساس يتناول العالم الرقمي –الإفتراضي– من منظار مواقع التواصل كونه ركن أساس في هذا العالم الذي في سياق التعامل مع الإفتراضيّة في المجال الإعلامي.
مواقع التواصل ومن منطلق أنّها وسيلة من وسائل الإعلام هي طريقة لإيصال وتحقيق هدف (إيصال خبر، صناعة رأي، توجيه، تأثير، إيجاد إتجاه) إنتهجت كخطوة أساس في سير عملها أنّها خرجت من إعلام الجهات لتكون إعلام المواطن والجمهور، لتكون صناعة الرأي حسب ظنّ المستعمل لهذه المواقع بيد الفرد والحال أنّه مسير مع الجماعة من الجهة التي تستقبل بيانات كلّ فرد وتصنيفه بناءً على قاعدة البيانات Big Data ليساق العمل بما تصنّفه هذه البيانات التي يكون قد أعطاها المستخدم بنفسه، لا بل تتعدّى ذلك تبعًا لنشاطه ليكون الحاكم و الموجّه هي الرقمنة كمشهد أوّلي والمحرّك مجموعة مدراء أو سلطات أو جهات والمستخدم يظنّ أنّه هو الذي يصنع ذلك والهدف عالم جديد.
أمام هذا يطرح  سؤالان جوهريان غريبان بعض الشيئ، لماذا وجود وهمي غير موجود أصلًا -إفتراضي– يطلق عليه (عالم )؟ كما أيضًا، لماذا يظنّ الفرد أنّه صانع رأي والحال أنّه ظنّ فحسب؟؟ الفضاء الإفتراضي هذا وخصوصًا ‏مواقع التواصل اتّخذت شعار وإسم (عالم) لسببين مهمّين جدًا الأوّل أنّه يحاكي ويوفّر كلّ شيء يمكن محاكاته من الواقع الحقيقي بشكل إفتراضي كما أنّه دخل عالم الواقعيّة عبر التأثيرات إذ أنّ التأثير سمة الواقع وبهذا أخذ صفة (عالم) بالرغم من أنّ هذا الفضاء إفتراضي إلاّ أنّ تأثيره حقيقي ينعكس في الواقع.
وأمام هذا يطرأ تفصيل دقيق يميّز هذا العالم وهذا الواقع عبر عنصر الجذب الذي يوظّفه فهو يلقي تركيزه على عالم من الإيجابيّات فقط ولا وجود للسلبيّات فيه، و بعبارة أخرى أنّ العالم الرقمي –الإفتراضي– يحاكي الحقيقة بإيجابيّاتها فقط حتى يجذب الأفراد ولا يولي سلبيّات الواقع الحقيقي أيّ اهتمام بل وحتّى أنّه لا يبرزها.
عطفًا على علم النفس نرى أنّ العالم الرقمي لجأ بشكل مباشر إلى علم النفس الإيجابي والجماهيري (سليغميند ولوبون) وتقنيّة السيطرة على ‏الخيال والوهم أو ما يسمّى بالهوامات بإسمها العلمي في علم النفس، ليعمل على إقناع روّاد هذه المواقع أنهم يستطيعون تحقيق كلّ ما يعجزون عن تحقيقه في الواقع الحقيقي وترسيخ فكرة أنّ كل ما هم محرومون منه عالمهم الحقيقي هو موجود في أروقة العالم الإفتراضي وعلى رأسها –مواقع التواصل– وعنوانه (تنفيس المكبوتات).
أمام عنصر الجذب المتمثّل بخلق خيال تحقيق كلّ ما هو غير محقّق حقيقيّاً عبر تفعيل الخيال –الهوامات– وعلى صعيد العمل ضمن نظريّة غوستاف لوبون في مسار الحاجات و الرغبات بشكل صريح من خلال تحقيق جزء كبير من هرم ابراهام ماسلو الذي يندرج في نظريّة لوبون ما بين التركيز على الهويّة الإجتماعيّة والحاجات والرغبات، و على سبيل المثال في سير عمل سياسة هذا العالم المتمثّل بمواقع التواصل على صعيد الحاجات حاجة الروّاد للأمان التي عبّر عنها بقبول طلب‏ صداقة أو وجود رمز حساب على صعيد الحاجة للشعور بالأمان، أمّا على صعيد الحاجة للتقدير إنعكس ذلك برقم يعبّر عن مدى الإعجاب وعدد يعكس كثرة التعليقات وكثرة المتابعين وغيرها من حاجات، لكن التحدّي أمام هذا العالم عدم قدرته محاكاة الحاجات الفسيولوجيّة كلّها برغم أنّهم حقّقوا قسمًا كبيرًا من إقناع الروّاد مستغلّين الخيال على سبيل المثال الجنس واستبداله بالإباحيّات، الحب بالرسائل والتواصل الوهمي، وغيرها ولم يبقَ إلّا بعض الأشياء من قبيل الأكل والشرب وكلّ ما هو مادّي لم يتحقّق وجوده في العالم الإفتراضي، وفي حال تحقّق يتحوّل هذا العالم من اللّا إفتراضيّة إلى الحقيقة مستغلّين بذلك سياسة الإقناع (الخيال) والنرجسيّة وتفعيلها لدوام التأثير فتلغي مواقع التواصل الرابط بين الفرد والآخر وتأخذ هي المبادرة لفعل ذلك فتلجأ لأجل ذلك الأنا داخل كلّ فرد فينشغل عن الآخر، ‏بالتوازي مع تسهيل التواجد لأيّ كان فلا كفاءات مطلوبة ولا أعمار معيّنة بل وهي مجانيّة للجميع لتنفذ إلى كلّ فرد وتحقّق تأثيرًا قويًّا دون الإلتفات لهذه المعطيات.
أمّا على صعيد الهويّة الإجتماعيّة ضمن نظريّة لوبون تمّ العمل على توحيد الأرض إفتراضيًّا وهنا كانت فكرة القرية الكونيّة وبداية التغربة ومحو الأوطان وتحويل الفضاء الإفتراضي لوطن واحد، و تمّ العمل على اللغة من خلال توحيد وإيجاد لغة موحّدة لكلّ المجتمعات فيصبح الخطاب موحّدًا وبالتالي يسهل ويسري التأثير على كلّ الشعوب بموجة واحدة دون الحاجة للتركيز على كلّ أصحاب لغة ما على حِدة، بالإضافة للعمل على المعتقد وهذا كان معضلة حقيقيّة واجهت الجهة التي تبثّ وتدير هذه المواقع أمام ‏كيفيّة إيجاد معتقد يخدم مصلحة وجود عالم إفتراضي تؤمن به من خلال ما يناسب كلّ هذه الظروف.
كلّ هذه النظريّات المتداخلة والدور في فرض التأثير يعتمد على سلاح هو مفتاح كلّ ما تقدّم، ألا وهو كسر الحواجز وانتزاع حزام الخصوصيّة لنكون كلّنا في مراكزنا سواء، ويعتبر هذا السلاح مفتاح هذا العالم بالإضافة إلى خطّة سير تعدّ قاعدة الهرم في تحقيق كلّ ذلك تعتمد على ضرب القيم والثوابت بشكل أساسي وإضعاف المنظومات الثقافيّة الراسخة بهدف التمهيد لقبول كلّ ما هو جديد و الإعتياد عليه فكان الحلّ‏ إيجاد ثقافة وأفكار ولغة ومعتقد واستبدال كلّ ما هو حالي بشيء جديد يحاكي السرعة وفكرة وجود عالم جديد إفتراضي تتناسب مع حيثيّاته وواقعه، والمستهدف المركز كمخاطب هو الأجيال القادمة بناءً على مدى التأثير وفكرة الأجيال الأربعة؛ فيكون المستهدف الأساس هو الجيل القادم لضمان ترسيخ تأثير المعطيات الممهّدة لعالم إفتراضي شبه متكامل بشكل أكثر تأثيرًا من الجيل الحالي أو الجيل السابق. ولكن لأنّ صفة العالميّة تضمّ كلّ الأجيال كان على هذا العالم الإفتراضي مخاطبة كلّ جيل بحسبه، فكان خطاب الجيل الجيل السابق بلغة تشدّه ليكون شابًا وزرع فكرة عنصر الشباب والحداثة هي الرائدة، فتدعو الجيل السابق للتشبّه بالشبّ ومواكبة العصر والجيل الحالي بهدف ضمّهم إلى المخاطبين أيضًا وترك تأثير عليهم ولو بدرجة أقلّ من الجيل الحالي أو الجيل القادم.
‏أمام كلّ هذه المعطيات وفي حال اكتملت هذه العوامل سيتمّ تصنيف هذا العالم الإفتراضي كعالم حقيقي كامل وبهذا نكون قد دخلنا موجة جديدة وانتقلنا من الثورة التكنولوجيّة إلى الإفتراضيّة وتحقّقت نظريّة آلفين توفلر في الموجات وحضارة الموجة، ليكون هذا العالم جمع من نظريّات علميّة بين توفلر ولوبون في سبيل تحقيق الموجة الرابعة والإنتقال إلى عالم إفتراضي يأخذ عنوان الحقيقة.

 الشريف علي صبح  (باحث وكاتب وإعلامي لبناني )

-------------

جريدة صيدونيانيوز.نت 

صناعة الرأي في خبايا العالم الرقمي -الإفتراضي

 

2022-07-03

دلالات: