الرئيسية / أخبار صيدا /أخبار صيداوية /سندات بيوت التعمير في صيدا لأصحابها.. القصة الكاملة من البركسات إلى الشرعنة

سندات بيوت التعمير لأصحابها.. القصة الكاملة من البركسات إلى الشرعنة تصوير / رافت نعيم - المستقبل

جريدة صيدونيانيوز.نت / سندات بيوت التعمير في صيدا لأصحابها.. القصة الكاملة من البركسات إلى الشرعنة

جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار مدينة صيدا / سندات بيوت التعمير في صيدا  لأصحابها.. القصة الكاملة من البركسات إلى الشرعنة

صيدا / المستقبل / رأفت نعيم

بعد انتظار دام عقوداً طويلة، بات بإمكان أصحاب وقاطني بيوت التعمير في مناطق الدكرمان والمية ومية وصيدا القديمة، الحصول على سندات ملكية لبيوتهم التي بنتها لهم مصلحة التعمير الملغاة في أواخر خمسينيات القرن الماضي إثر زلزال العام 1956 مقابل قروض ميسرة وطويلة الأمد آنذاك. لا يزال معظم قاطني بيوت التعمير يحتفظون بنسخ من السندات المؤقتة التي أعطيت لآبائهم أو أجدادهم عند تسلمهم بيوتهم من مصلحة التعمير، وما راكموا فوقها من إيصالات أقساط دفعوها من قيمة هذه البيوت. تضاعف عدد البيوت ثلاث مرات بما أضيف عليها بحكم تزايد عدد قاطنيها جيلاً بعد جيل. فالصغار كبروا وأسسوا عائلات أقامت في بيوت ملحقة بالأبنية الأساسية، وبقي المؤقت مؤقتاً ولم يحصل أصحابها على السندات التي تثبت حقهم في ملكية بيوتهم. ونتج عن المخالفات التي أضيفت على الأبنية في فترات غياب الدولة واقع معقد في المناطق التي بنيت فيها وهي بغالبيتها مناطق شعبية تقطنها عائلات فقيرة تعاني ظروفاً حياتية ومعيشية بالغة الصعوبة، فضلاً عن الظروف الأمنية المتفجرة التي مرت بها مناطق التعمير والفيلات في فترات سابقة بحكم موقعها على مداخل مخيم عين الحلوة.

طيلة أكثر من خمسة عقود شكّل موضوع قوننة وضعية هذه الوحدات السكنية واستصدار صكوك ملكيتهم لها حلماً راود أصحابها وقاطنيها، إلى أن أقر مجلس النواب العام 2017 اقتراح القانون المعجل المكرر الذي قدمته النائب بهية الحريري والرامي إلى إضافة فقرة إلى المادة 61 من القانون رقم 583/ 2004 الرامي إلى إمكانية إفراز تلك العقارات ما يتيح تمليكها بعد تسوية أوضاعها، وذلك بالاستناد إلى قرار مجلس الوزراء رقم 66/32 تاريخ 21/6/2017 والمرسوم 1099 تاريخ 18/07/2017 حيث تم تلزيم شركة سبكتروم للاستشارات الهندسية القيام بأعمال لتحديث الدراسة المعدة سابقاً واستكمال مسح وكيل وضم وفرز عقارات المصلحة الوطنية للتعمير (الملغاة) في مناطق «الدكرمان وصيدا القديمة والمية ومية العقارية».

وعلى مدى عام ونصف العام، منذ صدور المرسوم، عقدت وبمبادرة من الحريري، عدة اجتماعات عمل لمتابعة هذا الملف ادارياً وتقنياً وهندسياً بالتعاون مع محافظة الجنوب والمديرية العامة لمؤسسة الإسكان والهيئة العليا للإغاثة وبلديتي صيدا والمية ومية وقيادة منطقة الجنوب الإقليمية في قوى الأمن الداخلي والسجل العقاري ودائرة المساحة في الجنوب وشركة «سبكتروم».

واليوم وبعد طول انتظار، بدأ هذا الحلم الذي توارثه الأبناء عن الأباء والأجداد يبصر النور مثبتاً بسندات ملكية قانونية بدأت تصدر تباعاً منذ خريف العام 2018 عبر المؤسسة العامة للإسكان التي تتلقى طلبات الحصول على السندات من أصحاب العلاقة في مكتب الإسكان في سراي صيدا الحكومي. ويأمل أهالي وقاطنو مناطق التعمير في أن تفتح قوننة أوضاع مساكنهم الباب أكثر أمام تحسين ظروف عيشهم وتنمية مناطقهم عبر تنفيذ مشاريع وبرامج تنموية تطال كافة الفئات المجتمعية في المنطقة.

فما هي قصة بيوت التعمير منذ وقوع الزلزال عام 1956 مروراً بخيم الإيواء ومجمعات البركسات فالأبنية وصولاً إلى مسار قوننة ملكيتها وتسوية مخالفاتها؟

أبو علفا

رئيس دائرة المساحة في الجنوب سابقاً والموظف السابق في مصلحة التعمير (الإسكان لاحقاً) محمد أبو علفا تحدث لـ«المستقبل» عن المراحل التي مرت بها قضية بيوت التعمير والسندات فقال: «عقب زلزال سنة 1956 في لبنان، أنشأت الحكومة المصلحة الوطنية للتعمير للقيام بترميم وإصلاح ما تأثر من مبان ومساكن وإزالة ما تهدم وإقامة عوضاً عنها في جميع المناطق التي تأثرت بالزلزال ومنها مدينة صيدا. وكان أن أسندت رئاسة المصلحة يومذاك إلى النائب إميل البستاني وكان أحد أعضاء مجلس إدارتها المهندس أمين البزري من صيدا، وقد ضم إلى المصلحة عدداً كبيراً من المهندسين من الجامعة الأميركية ومن شركة «كات» والقطاع العام».

* ما هي الخطوات العاجلة واللاحقة التي قامت بها مصلحة التعمير إثر زلزال العام 1956؟

- أمنت مصلحة التعمير هنغارات يطلق عليها اسم «البراكسات» في محيط المستشفى الحكومي في المية ومية وكانت عبارة عن أبنية شيدت حسب التصميم العالمي المعتمد حينها من قبل الأمم المتحدة، واسكنت فيها عائلات بشكل مؤقت لحين تأمين المساكن الجديدة. وما زال قسم من هذه المنطقة يحمل اسم «البراكسات» حتى اليوم، وهو مسكون حالياً من غير الصيداويين. وفتحت المصلحة آنذاك مكتباً خاصاً لها في المدينة وكنت أحد موظفيه. وتقدم جهازه على الفور بطلبات الى البلدية بهدم العشرات من الغرف وأقسام الغرف والطوابق المتصدعة في مدينة صيدا القديمة والتي كانت تشكل خطراً على الساكنين والمارة، وكان من نتيجة ذلك أن استمرت مئات العائلات مقيمة في الخيم التي نصبت في الساحات والبساتين عقب الزلزال. وكانت الفرق الفنية تقوم بالكشف على البيوت المتصدعة وتؤمن لها جميع المواد اللازمة للترميم من بحص ورمل واسمنت وحديد وأخشاب، وأيضاً اليد العاملة، وكان ذلك يحدث في كل القرى المصابة أيضاً.

ولم يمض شهر تقريباً على حدوث الزلزال حتى جاء المهندس إميل البستاني إلى مكتب المصلحة في صيدا مع المهندس أمين البزري وقال بأنه سيقوم بتكليف أشهر مهندس عالمي في تخطيط المدن وهو «إيكوشار»، وانه بانتظار ذلك سيقوم بالترميم الخفيف، على أن يصار الى إقامة مبانٍ جديدة في صيدا القديمة وفي الدكرمان. وبعد وقت قصير جاء المهندس إيكوشار ومعه فريق من المختصين وقاموا بإحصاء كامل مدينة صيدا في كل القطاعات ووضع بالنتيجة مخططاً لها وقد خص صيدا القديمة بدراسة شاملة حيث لحظ هدم أجزاء كبيرة من مساحتها بلغت 52 ألف م2، ووضع مكانها أبنية حديثة ذات طوابق متعددة، وخاصة في منطقة الكنان حيث لحظ فيها مبان حكومية، أما في منطقة رجال الأربعين فقد لحظ هدم مساحة كبيرة وإقامة مكانها مساكن ذات طوابق متعددة وأخرى ذات طوابق أرضية حصراً. واستمر العمل في المصلحة إلى أن جاءت سنة 1959 حين بدأ عهد الرئيس فؤاد شهاب بعد انتهاء عهد الرئيس كميل شمعون، وأعيدت دراسة تخطيط مدينة صيدا القديمة من قبل المكتب الهندسي الاستشاري بتكليف من إدارة المصلحة، وكان من نتيجته أن تم هدم عدد كبير من مباني منطقة رجال الأربعين المتلاصقة والمتصدعة وجرى إنشاء مبان جديدة متعددة الطوابق مكانها.

مراحل البناء

* كم هو عدد المباني التي أنشئت من قبل مصلحة التعمير لمتضرري الزلزال؟

- كان من نتيجة عمل المصلحة الوطنية للتعمير أن تم بناء ما يقرب من 1330 مسكناً ودكاناً في مناطق الدكرمان (عين الحلوة) والمية ومية شرقي وشمالي المستشفى الحكومي، وكذلك في مدينة صيدا القديمة، وتم توزيعها على المستفيدين على مراحل ما بين 1961 و1963 تقريباً، وهي موزعة على المناطق المذكورة كما يلي: 54 بناية تحتوي 800 مسكن و36 دكاناً في منطقة الدكرمان (محلة عين الحلوة). 13 بناية تحتوي على 200 مسكن و104 بناء فيلا تحتوي على 208 مسكناً في منطقة المية ومية. 45 مسكناً موزعة على ست بنايات و33 دكاناً ضمن بناء واحد في محلة رجال الأربعين في مدينة صيدا القديمة. وتم تمليك المساكن المنشأة للعائلات الصيداوية بموجب عقود بيع مؤقتة بأسعار الكلفة ومقسطة على 15 سنة من تاريخ التمليك. وقد انتقلت العائلات المستفيدة إلى المساكن الجديدة على مراحل وبعد وقت طويل من الانتظار قضاه البعض عند الأهل والبعض الآخر في الخيم و«البركسات» الجماعية التي أنشئت في محيط المستشفى الحكومي عقب حدوث الزلزال.

* كيف كان الوضع الاجتماعي للعائلات المستفيدة ولماذا تضاعف عدد المساكن؟

- المساكن الجديدة التي أنشئت وملّكت للمشردين والمتضررين على أثر الزلزال، ضمت بين جدرانها عائلات لا يقل عدد أفراد أي منها عن الستة أشخاص وأكثرها يزيد على الثمانية والعشرة أشخاص. علماً أن المساحة القصوى للمسكن الواحد لا تزيد على التسعين متراً مربعاً، ما يعني أنه في حينه كانت كل عائلة بحاجة الى أكثر من مسكن واحد، وهذا ما دفع الكثيرين الى إنشاء إضافات على المساكن ابتغاء تأمين السكن لكافة أعضاء العائلة بشكل عام وخاصة في حال زواج الأولاد والبنات. حتى زاد عدد المساكن تقريباً ثلاثة أضعاف العدد الأساسي.

الوضع الحالي للمساكن

* ما هو الوضع الحالي للمساكن؟

- مساكن التعمير في عين الحلوة، مع ما زيد عليها من إضافات من قبل المستفيدين، لا تزال على حالها بدون إفراز، وقد عمد البعض منهم إلى عمليات بيع مساكنهم إلى الغير بموجب عقود بيع مصدقة لدى كاتب العدل سببه عجزهم المالي بسبب النفقات التي تكبدها على الإضافات. والبعض الآخر كان سببه الهروب من الوضع الأمني السيء الناتج عن الغارات الاسرائيلية على منطقة عين الحلوة وكذلك من المعارك المتكررة بين المنظمات المنتشرة في المخيمات. وربما تكرر البيع أيضاً مرتين أو ثلاثاً للمسكن الواحد، وهذا ما يخلق إشكالات ومتاعب كثيرة في المرحلة الأخيرة عند إقرار نقل الملكية بشكل نهائي للمستفيدين حسب القانون، إلا اذا وضع تشريع جديد يعالج هذا الموضوع حسب الوضع الراهن.

* ما هي الصعوبات التي كانت تواجه إفراز المساكن؟

- لطالما كان الأهالي يطالبون السلطات ويلحّون عليها بشكل دائم للقيام بنقل الملكية النهائية الى أسمائهم، وخصوصاً بعد أن مر وقت طويل على تمليكهم المؤقت وسدد أكثرهم أثمان مساكنهم، وبات لزوماً وضع حل بإفراز هذه المساكن وتأمين سندات ملكية يصار بموجبها نقل الملكية إلى أصحابها حتى يطمئنوا نفسياً بحصولهم على سندات الملكية النهائية. ولسوء الحظ، المباني التي شيدت في الستينيات وأسكن فيها صيداويون لم يتم إفرازها بشكل نهائي نظراً للوضع الأمني والسياسي في البلد آنذاك، ولسوء الحظ أيضاً، قام التنظيم المدني حينها بوضع مخطط تنظيمي لصيدا سنة 1967، شمل منطقة التعمير ولحظ فتح طرقات دون أن يلحظ وجود هذه الأبنية.

من «التعمير» إلى وزارة الإسكان

* ما كان مصير هذا الملف بعد استحداث وزارة الإسكان؟

- في العام 1977 تم استحداث وزارة الإسكان. وبعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، عملنا على تحريك ملف إفراز المباني وتقدمت شخصياً بتقرير مفصل للوزارة لإفراز الأبنية حسب الأصول رغم أن هناك تخطيطاً كان موجوداً يصيب بعض الأبنية في الدكرمان. وكان وزير الإسكان حينها المهندس بهاء الدين البساط وتم تلزيم وضع الأبنية بموجب عقد لمهندسين من صيدا. لكن الخلل الأمني والسياسي والمالي المستمر في تلك المرحلة حال دون تنفيذ العقد الى أن تولى الرئيس رفيق الحريري رئاسة الحكومة مطلع التسعينيات. وكنت أنا قد حركت مشروع التعمير بموجب تقرير قدمته إلى النائب السيدة بهية الحريري آنذاك وشرحت فيه ما هو المطلوب، وتم رفع التقرير إلى الرئيس الحريري الذي كلّف وزير المالية آنذاك فؤاد السنيورة بمتابعة هذا الملف، وقدمت تقريراً مفصلاً للوزير السنيورة، وبموجبه تقدم هو إلى مجلس الوزراء بطلب اعتماد مبلغ لتنفيذ مسح البيوت وتلزيم المساكن حسب الأصول، لأن هناك حاجة للناس لتتملك بيوتها. وفعلاً، صدر قرار باعتماد مبلغ من المال لهذه الغاية، وكانت الدراسة من نصيب شركة سبكتروم التي قامت بمسح البيوت كلها دون إفرازها، لأن الإفراز بحاجة لمعالجة الإضافات التي تمت على البيوت على مدى سنوات طويلة ومعالجة التخطيط الذي وضعه التنظيم المدني على الخريطة وأصاب مباني التعمير، فتم وضع خرائط بالواقع وبكل الأبنية في الدكرمان والمية ومية ورجال الأربعين.

متابعة بهية الحريري للملف

* كيف تمت المتابعة القانونية والتشريعية لإستصدار السندات؟

- سنة 2004 ونظراً للحاجة لتنفيذ الإفراز وإصدار سندات ملكية نهائية ونظراً لوجود مخالفات بناء ووجود تخطيط على المساكن، صدر القانون 583 بتاريخ 23/4/2004 بمسعى من النائب بهية الحريري، ويتضمن المادة 61 التي تسمح بإفراز العقارات كما هي بمخالفاتها. لكن هذا القرار لم ينفذ حينها رغم أن مناطق ثانية استفادت منه ولم تستفد منه صيدا لوجود التخطيط الذي تحدثنا عنه (الذي وضعه التنظيم المدني) إلى أن نجحت السيدة الحريري أيضاً بفعل نشاطها ومثابرتها في استصدار مرسوم بإلغاء التخطيط. وبمتابعة منها، صدر القانون رقم 33/2017 الذي يسمح بإفراز الأبنية كما هي بالإضافات ودون الرجوع إلى التنظيم المدني، ودون تكليف الناس بالمخالفات التي تراكمت وأصبحت تزيد عن ألفي إضافة.

* ما هي الخطوات الحالية والتالية لإستصدار السندات؟

- عقب صدور القانون المذكور أعلاه رقم 33/2017 تم تلزيم إفراز البنايات إلى شركة سبكتروم ولتأمين سندات ملكية نهائية لكل مسكن وقد تم إنجاز أول دفعة من السندات في تشرين الأول سنة 2018، حيث عقد اجتماع لدى محافظ الجنوب ضم النائب بهية الحريري وأمين عام الهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير ورئيس بلدية صيدا محمد السعودي ورؤساء دوائر الإسكان والعقارية والمساحة والمهندس أحمد منيمنة عن «شركة سبكتروم»، وحضوري أنا، عرض فيه سندات الملكية المنجزة وكانت أول دفعة منها على أن تتبعها بالتوالي المجموعات الأخرى فور إنجازها.

إنجاز كبير وهام

* ما هي الأهمية التي يكتسبها استصدار سندات بيوت التعمير؟

- ما تحقق في ملف سندات بيوت التعمير هو إنجاز كبير وهام حقاً، لأن هذه المباني شيدت من قبل الدولة وكان مطلوباً من الدولة أن تتابعها وتنجزها نهائياً وتسلمها للناس، لكن المشروع تعثر حينها لأن أموراً كثيرة حالت دون ذلك وأهمها الخلل الأمني والسياسي والمالي المتكرر، ولم تكن هناك محاولات مثابرة ومجتهدة نظراً لتلك الظروف. لكن السيدة بهية الحريري تابعت هذا الملف خطوة بخطوة ومرحلة تلو مرحلة، بكل تعقيداته وبكل ما كان يتطلبه من معالجة سياسية وإدارية واستصدار تشريعات وقوانين ومراسيم. فالشكر كل الشكر للسيدة بهية الحريري على متابعتها موضوع أبنية التعمير في مدينة صيدا والوصول بالاجتهاد والمثابرة إلى درجته النهائية.

2019-01-25

دلالات: