https://www.sidonianews.net/article306969 /10 مسؤوليات للحزب عن أزمة لبنان وتداعياتها الكارثية
صيدونيا نيوز

جريدة صيدونيانيوز.نت / 10 مسؤوليات للحزب عن أزمة لبنان وتداعياتها الكارثية

 

Sidonianews.net

-----------------

 

نداء الوطن / منير يونس

 

إختلط حابل أسباب الأزمة الاقتصادية والمالية بنابل نتائجها. فحاول كل طرف سياسي في لبنان التنصل مما حصل، نافضًا يديه من غبارها مدعيًا انه غير مسؤول هو مباشرة، وان طرفًا آخر هو المسؤول الاول.

 

نادرًا ما يُسلط الضوء منهجيًا على مسؤولية "حزب الله" بشكل مباشر أو غير مباشر، لأن معظم أدبيات التشخيص ركزت على "الحريرية المالية" التي تبلورت في أوائل تسعينات القرن الماضي، وتثبيت سعر الصرف في 1997، والتوسع في الاقتراض بفوائد عالية بالليرة ثم التوسع في الاقتراض بالدولار، واستسهال عجز الموازنة تلبية لرغبات الانفاق الاستهلاكي والجاري على حساب الانفاق التنموي والاستثماري، وتركيب نظام محاصصة بين عدد من الزعماء أمراء الحرب والميليشيات وحيتان المال. وفي تشخيصات أخرى، محقة، تركيز على مصرف لبنان وسياساته النقدية والمصرفية منذ 1993، وخصوصًا مخطط بونزي (الاحتيالي) لجذب الدولارات الذي تجلت سوءته في الهندسات المالية في 2016. وهناك من يلقي بالائمة أولًا على سوء إدارة قطاع الكهرباء الذي تبددت فيه عشرات مليارات الدولارات عبثًا وهدرًا. والى ما سبق تضاف أسباب أخرى لا تقل وجاهةً مثل الفساد والتنفيعات والزبائنية على حساب المال العام.

 

لكن السؤال يبقى عن "حزب الله"، طالما هو تقدم ليلعب دور الطرف الأقوى في المعادلة السياسية الداخلية منذ ما بعد 2005 وحتى تاريخه.

 

اغتيال الحريري وحرب 2006 وغزوة 2008... والمفارقة العجيبة!

 

بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، اهتزت الثقة بلبنان على المستوى العربي والدولي، وقيل إن مشروعاً اغتيل وليس شخصاً. ذلك المشروع تماهى مع فكرة قيامة لبنان اقتصادياً من ركام الحرب الأهلية. ثم جاءت حرب 2006 لتثقل البلد بتداعيات أكبر من طاقته على التحمل بأشواط. وفي 2008 عاد شبح الحرب الاهلية ليخيم مع غزوة "حزب الله" وحلفائه لبيروت وبعض مناطق الجبل.

 

حصل بين عامي 2007 و2010 ما لم يكن في الحسبان. إذ استقطب لبنان وقطاعه المصرفي أكثر من 30 مليار دولار هربت من تداعيات الأزمة المالية العالمية، بعدما فقدت ضالتها في الخارج عموماً وفي الأسواق الغربية خصوصاً، بفعل هبوط الفوائد الى مستويات اقرب للصفرية بينما كانت في لبنان بين 6 و8% خلال تلك الفترة، علماً بان جزءاً من تلك الأموال، غير النظيفة ربما، لجأ الى لبنان بسبب السرية المصرفية فيه.

 

فما كان متوقعاً له أن يترك البلاد نهباً للانكماش والركود بعد اغتيال الحريري وحرب تموز 2006 وأيار 2008... تحول الى ما يشبه "العيد" المالي والمصرفي في مفارقة عجيبة. إذ ارتفعت الودائع بين 2005 و2010 من 59 مليار دولار الى 107 مليارات دولار. فتغطت الآثار التي كان يمكن تحميلها لـ"حزب الله" دون غيره في تلك المرحلة التاريخية المضطربة.

 

التدخل في سوريا وبداية نزيف ميزان المدفوعات وهروب الاستثمارات وتقهقر الاقتصاد

 

تغير المشهد في 2011 مع تداعيات قضية البنك اللبناني الكندي الذي اتهم بتبييض الأموال لمصلحة "حزب الله" من قبل الخزينة الاميركية. الى ذلك، أضيف عامل سلبي خطير دام سنوات هو اضطرابات الربيع العربي عموماً، والحرب السورية خصوصاً التي دخل فيها "حزب الله" طرفاً عسكرياً.

 

في الأثناء، بدأ الاقتصاد بالتراجع والقهقرى، فسجل نمواً متواضعاً نسبته 2.5% في 2011 مقارنة مع 7.5% في 2010. وانطلقت رحلة العجز الكبير والخطير في عجز ميزان المدفوعات منذ 2011 حتى اليوم، ما عدا العام 2016 الذي سجل فائضاً مصطنعاً بفعل الهندسات المالية الشهيرة التي ابتدعها مصرف لبنان لجذب ودائع دولارية بكلفة فوائد باهظة. وبلغ تراكم عجز ميزان المدفوعات بين 2011 و2020 نحو 29 مليار دولار هي حصيلة أموال خرجت من البلاد بأكثر مما دخلها.

 

وعلى صعيد الاستثمار الأجنبي المباشر فقد تراجع التدفق من 4 و 4.8 و4.9 مليارات دولار في 2008 و 2009 و2010 الى 3.5 و3.7 و2.8 في 2011 و2012 و2013 تأثراً بالحرب السورية والأحداث الاقليمية الأخرى آنذاك، والتي انخرط فيها "حزب الله" بشكل أو بآخر. ومتوسط الهبوط بلغ ذروته بنسبة 40% مع دخول "الحزب" عسكرياً وبشكل علني في سوريا. وبقيت تلك التدفقات متدنية في السنوات اللاحقة حتى تاريخه.

 

كلفة الفراغ الرئاسي للمجيء بالعماد عون رئيساً

 

دخلت البلاد في 2014 في فراغ رئاسي استمر حتى 2016. مرت نحو سنتين ونصف السنة بين نهاية عهد الرئيس ميشال سليمان وبداية عهد الرئيس ميشال عون. يتحمل "حزب الله" الجزء الأكبر من ذلك الفراغ باصراره على وصول العماد عون الى سدة الرئاسة.

 

في تلك الفترة تفاقمت معاناة الاقتصاد. ففي 2015 على سبيل المثال هبط النمو الحقيقي الى 0.42%. فبعد معدلات 8 و9 و10% بين 2007 و2010، تراجع النمو الحقيقي الى ما متوسطه السنوي 1.7% بين 2011 و2016 في موازاة تأثيرات الأحداث السورية واليمنية والفراغ الرئاسي وتأثيرات أخرى مثل هبوط اسعار النفط في 2014.

 

وعلى صعيد تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، سجل لبنان خلال فترة الفراغ الرئاسي وحتى 2017 أدنى التدفقات منذ 2008. والهبوط قياساً بسنوات 2008 و2009 و2010 بلغ نحو 50% بعدما احجم الخليجيون خصوصاً عن الاستثمار في لبنان. وتراجع كثيراً قدوم الخليجيين للسياحة التي هي أحد أهم مصادر الدولار بالنسبة للبنان.

 

وخلال الفراغ الرئاسي، ثمة من وضع في رأس حاكم مصرف لبنان انه يمكن أن يكون رئيساً للبنان. فجاهد لتجميل ابشع المؤشرات ومارس المزيد من الهروب الى الأمام عندما ابتدع الهندسات المالية الشهيرة بفوائد باهظة جداً لاستقطاب الدولارات من الخارج. آنذاك كان ساء وضع احتياطات مصرف لبنان بشكل "دراماتيكي" حتى بلغ صافيها عجزاً بقيمة 4.7 مليارات دولار وفق تقرير لصندوق النقد الدولي. فالفراغ الرئاسي ودور "حزب الله" فيه واحلام رياض سلامة حالا دون الانتباه الى تفاقم مؤشرات الأزمة التي كان يجب ان تبدأ معالجاتها العاجلة في تلك الفترة، لكن "الحزب" شاء والحاكم أيضاً، ولكل اولوياته بعيداً عن أولويات الاقتصاد.

 

شعار "محاربة الفساد" أتى بنتائج عكسية مفجعة

 

بالعودة الى مرحلة دخول "حزب الله" في التشكيلات الحكومية، يذكر الوزير السابق طراد حمادة في أحد مقالاته الصحفية ان بين اسباب قرار دخول "الحزب" في التشكيل الحكومي في حكومة نجيب ميقاتي في 2005 هو "وضع الحزب قواعد فعالة للعمل الحكومي تبتعد عن كل اشكال الهيمنة والمحاصصة والفساد". ماذا تحقق من ذلك الهدف المزعوم؟

 

كان ترتيب لبنان في 2005 في المرتبة 83 من اصل 158 بلداً تتابع مدركات الفساد فيها منظمة الشفافية الدولية. وفي 2020 احتل لبنان المرتبة 149، أي انه تراجع 66 درجة في خلال تلك المرحلة والتي كان "حزب الله" فيها على الدوام، ليس شريكاً فيها وحسب، بل مقرراً أساسياً في كيفية تشكيلها عموماً. أما المحاصصة التي تحدث عنها الوزير طراد حمادة فباتت أكثر تجذراً وبفجاجة غير مسبوقة، بعد اتفاق الدوحة الذي منح "الحزب" وحلفاءه حق النقض و/‏أو ما يسمى الثلث المعطل، اذا لم يحصلوا على ما يريدون في السياسة والاقتصاد. ولاحقاً، بعد التسوية الرئاسية، كان لـ"الحزب" اليد الطولى في تركيبة المنظومة ورعاتها، واقر قانون انتخاب منحه وحلفاءه الأغلبية للحكم. ومن بين الأخطاء الجسيمة التي ارتكبت بحضور "حزب الله" ورعايته، على سبيل المثال لا الحصر، اقرار سلسلة الرتب والرواتب في 2017 من دون تأمين تمويل لها يحول دون تعميق هوة فجوة عجز الموازنة. والأنكى أن حساب كلفتها كان خاطئاً والفرق مليار دولار سنوياً على الأقل! آنذاك، كان "الحزب" بين من دفع بقوة لاقرار السلسلة رافضاً تمويلها من الضرائب والرسوم، حتى اتضح لاحقاً انها تدفع بالدين مباشرة ومن ودائع الناس بشكل غير مباشر. وفي الموازاة استمرّ الحشو الوظيفي للتنفيع الطائفي وللإمساك بوظائف الدولة العميقة.

 

في شعارات محاربة الفساد أيضاً، حمل "الحزب" لواء محاربة رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة تحت عنوان صرف 11 مليار دولار بلا قواعد محاسبية شفافة على القاعدة الاثنتي عشرية للانفاق، بغياب موازنة مقرة في المجلس النيابي خلال 2006 - 2008. اي الفترة التي استقال فيها الوزراء الشيعة واقفل الرئيس نبيه بري البرلمان ما حال دون اقرار الموازنة العامة. وكان "الحزب" يستخدم هذه القضية كما غيرها ضد فؤاد السنيورة وسعد الحريري، ثم سرعان ما يتخلى عن اثارتها بعد تسويات سياسية مرحلية بين الثنائي الشيعي وسعد الحريري.

 

وفي قضية أخرى، وبعد التصريح الشهير للسيد نصرالله عن أن "الفاسد كالعميل"، تولى النائب حسن فضل الله هذا الملف. وقال أواخر 2019 ان "لدى الحزب مستندات ووثائق لو كشفت لأودت برؤوس كبيرة من السلطة الى السجن"، مؤكداً ان هذه المستندات موجودة لدى وزارة المالية أيضاً. فترة اكثر من سنتين مرت على ذلك التصريح الناري، وعلى محاولات النائب ومن ورائه "الحزب" لمصارحة اللبنانيين بأسرار الملفات ومن الفاسد فيها، ولم يخرج شيء شفاف وواضح يمكن الاعتماد عليه لاجراء المحاسبة اللازمة. وبما أن وزارة المالية مع الثنائي الشيعي فان الفشل يطالها ايضاً لأن فضل الله أكد انها على اطلاع عما لديه. لاحقاً وضع "الحزب" اللوم على القضاء لأنه لا يتحرك. ثم انشغل هو نفسه بمهاجمة القضاء عندما تحرك في قضية انفجار المرفأ في ما يشبه الصيف والشتاء على سطح واحد.

 

رفض الضرائب والقبول بالدين العام وفوائده الباهظة... القاتلة

 

 

كان "حزب الله" على الدوام ضد فرض الضرائب والرسوم الجديدة، وضد المس بحقوق الموظفين. وجاء في احد خطابات السيد نصرالله أنه "إذا فرضت ضريبة جديدة سننزل الى الشارع. ونزولنا لا يشبه غيره من التحركات لأننا لا نطلع من الشارع قبل تحقيق الأهداف".

 

وبسوء فعل السياسات المالية التوسعية من دون زيادة الإيرادات، والتي شارك "حزب الله" في اتخاذ قراراتها الحكومية والبرلمانية في مدى 15 سنة على الأقل، ارتفع الدين العام من نحو 38 مليار دولار في أواخر 2005، عندما دخل "الحزب" مباشرة في حكومة ميقاتي آنذاك الى أكثر نحو 92 ملياراً عشية اندلاع الأزمة في 2019. والزيادة التي كان شاهداً عليها "الحزب" و/‏أو مشاركاً في اتخاذ قراراتها بلغت 142%. والجزء الأكبر من الفوائد القاصمة لظهر الدولة وخزينتها وشعبها دفع في تلك الفترة التي كان فيها "الحزب" مشاركاً فاعلاً أو شاهداً صامتاً عليها لا يفضحها ولا يدفع لايقاف حلقتها الجهنمية. لا بل كان راضياً بشكل او بآخر.

 

ويذكر أنه في آب 2019 وقبيل انفجار الأزمة طرحت افكار مثل زيادة الرسوم على صفيحة البنزين 5 آلاف ليرة فكان لـ"الحزب" موقف شرس مضاد. وقيل يومها أن هذه الزيادة اذا أقرت "تحرق البلد" بينما الصفيحة اليوم وبعد الغاء دعمها هي أغلى أكثر من 1000% مما كانت آنذاك و"الحزب" صامت!

 

التبرؤ من "النموذج" رغم العمل وفقه تماماً

 

بعد انفجار الأزمة أواخر 2019 توسع "حزب الله" أكثر من غيره في انتقاد النموذج الاقتصادي في لبنان. وازداد التنظير لاقتصاد صناعي وزراعي منتج، بدلاً مما يسمى اقتصاد الريع الذي حمّله "الحزب" جميع الموبقات. لكن المتابع لمشاركة "الحزب" في الحكومات المتعاقبة منذ 2005 يجد أنه تولى حقائب الزراعة والصناعة والعمل عدة مرات، اضافة الى حقائب أخرى لا تقل أهمية. رغم ذلك لم يشهد لبنان خلال تولي "الحزب" للقطاعات الانتاجية أي ثورة بالمعنى التغييري للكلمة، بل كان بالكاد يدير الموجود الموروث.

 

ولمناسبة الحديث عن نموذج العمل الريعي الذي يتبرأ "الحزب" منه، انفجر الاستيراد، منذ ما بعد الدخول الأول لـ"الحزب" الى الحكومات المتعاقبة منذ 2005 حتى تاريخه، مرتفعاً من نحو 9 مليارات دولار الى أكثر من 20 ملياراً عشية انفجار الأزمة أي بنسبة 122%. أما الصادرات فلم ترتفع الا بنسبة 32% وبمعدل سنوي عادي جداً هو 2.5% مقابل أكثر من 9% للمعدل السنوي لارتفاع الاستيراد. فسرعة نمو الاستيراد 3 الى 4 مرات نظيره في التصدير رغم تولي وزراء "الحزب" لحقيبتي الصناعة والزراعة وحقائب انتاجية أخرى عدة مرات. وعندما نتحدث عن فقاعة استهلاك المستورد انما نشير تحديداً الى أحد أخطر أسباب الازمة، أي الخروج الكثيف للمليارات التي لم يستطع لبنان تعويضها بالاستقطاب الذي كان سائداً قبل 2011. وبالتالي نتحدث عن سبب رئيسي من اسباب انفجار فقاعة "النموذج".

 

ويذكر أيضاً أن النموذج الاقتصادي والمالي اللبناني قام على عدة مقومات ابرزها جذب الأموال من الخارج الى القطاع المصرفي والقطاع العقاري، وبفعل الجذب السياحي وتجارة الخدمات والاعتماد على تحويلات المغتربين. وتبين قصور هذا النموذج عن الاستمرار، ووصوله الى حائط مسدود في العام 2000، ما استدعى عقد مؤتمر دولي في باريس لدعم لبنان شرط اجراء اصلاحات هيكلية وادارية ومالية واقتصادية فيه. تعددت المؤتمرات المماثلة لاحقاً وصولاً الى العام 2018 الذي شهد مؤتمر "سيدر".

 

في الأثناء، كان "حزب الله" دخل في الحكومة منذ 2005 وحتى تاريخه، وبقي النموذج السابق على حاله برضا ومشاركة "حزب الله" وصولاً الى الانفجار الكبير لكل الأزمات معاً في خريف 2019.

 

تسويق فكرة الحصار لحرف الأنظار

 

في ادبيات "الحزب" ان لبنان يتعرض لحصار، متناسياً مليارات من المساعدات والقروض تدفقت الى لبنان من دول غربية وخليجية، وكانت غالباً مشروطة باصلاحات، فاذا بها تبدد من دون اي تغيير في آليات المحاصصة والتوزيع الزبائني. طفح كيل المجتمع الدولي وتقرر في مؤتمر "سيدر" في 2018 التشدد في منح لبنان المزيد من الأموال طالما أن منظومته الحاكمة ممعنة في الفساد والتبديد والزبائنية والمحاصصة. فهل هذا يسمى حصاراً؟ وهل خطايا السياسات النقدية والمصرفية حصار؟ وهل سرقة المودعين حصار؟ وهل تراكم الدين حتى بلغ نحو ضعفي الناتج حصار؟ وهل استسهال عجوزات الموازنة حصار؟ وهل تهريب أموال النافذين حصار؟

 

ويذكر ان النموذج قائم أيضاً على جذب الأموال من الخليج تحديداً. وبعد انخراط "الحزب" بشكل مباشر أو غير مباشر في تطورات الربيع العربي واحداث البحرين وسوريا واليمن والعراق والكويت.. تأثر النموذج سلباً بعدما احجم الخليجيون عن القدوم الى لبنان والاستثمار فيه وفي مصارفه وعقاراته وقطاعاته الأخرى اعتباراً من العام 2011، احتجاجاً على تدخل "الحزب" في تلك الاحداث الخارجية وضد مصالح دول خليجية تحديداً. ثم بدا واضحاً التردد الخليجي عموماً والسعودي خصوصاً في مؤتمر "سيدر" في 2018 عندما ربطت المساعدات والقروض الموعودة باجراءات بينها الحد من هيمنة "الحزب" على الدولة والرجوع عن تدخلاته الخارجية، كما أكد خليجيون وأميركيون آخرون من حول العالم الراغب بمساعدة لبنان.

 

المربعات الأمنية والحدود والاقتصاد الموازي

 

 ليس سراً القول ان لـ"حزب الله" مؤسسات تربوية وطبية وتجارية وخدمية. له اقتصاد خاص مواز للاقتصاد اللبناني بسبب طبيعة العمل السرية هروباً من العقوبات الأميركية والتضييق الغربي والخليجي. وبالتالي لا يخضع الاقتصاد السري لقواعد المنافسة الحرة ولا افصاحات كافية عنه، وبالتالي لا ضرائب ولا رسوم مقابل الكثير من الأعمال والأنشطة. كما لا تدفع ضرائب على الدخل، وهذا يخص نحو عشرات آلاف الرواتب.

 

ومالياً هناك مؤسسة القرض الحسن التي ينفي مصرف لبنان الترخيص لها لتقوم بما تقوم به من عمليات مصرفية خارج القطاع المصرفي الرسمي.

 

وعن التهريب الذي يتهم به "حزب الله" من خصومه ومن مراقبين محليين واقليميين ودوليين وهو يرفضه، تتعين الإشارة أولاً الى حقيقة وجود نفوذ للثنائي الشيعي في المطار والمرفأ الى جانب نفوذ لاحزاب أخرى بفعل التحاصص في التعيينات الطائفية والحزبية في الأمن والجمارك. كما أن الحدود اللبنانية السورية تعتبر الخاصرة الرخوة الدائمة للتهريب تاريخياً، ولـ"الحزب" وجود هناك منذ ثمانينات القرن الماضي. وليس سراً أن عدداً من ابناء العشائر في منطقة بعلبك الهرمل وفي عكار يعمل في التهريب. وتشكل بعض المناطق الحدودية حاضنة وبيئة عصية أحياناً على القوى الأمنية وهي في عداد ناخبي "الثنائي" بقوة، والذي عليه مساعدة الدولة على محاربة مخالفة القوانين لا التغاضي بفعل الأمر الواقع والحسابات الانتخابية. وعلى صعيد الجباية أيضاً، هناك مناطق متهمة بعدم دفع الرسوم والضرائب وفواتير الخدمات العامة مثل الكهرباء التي تتعرض للهدر والسرقة.

 

حقيبة وزارة المالية للثنائي الشيعي بالتكافل والتضامن

 

في قضية وزارة المالية وفرض الحقيبة للطائفية الشيعية، بدا "الحزب" غالباً متكافلاً متضامناً مع حركة "أمل". وتجلى ذلك في افشال قيام حكومة مهمة اقترحتها المبادرة الفرنسية في 2020 وتكلف بتشكيلها السفير مصطفى أديب.

 

الاصرار الشيعي على تولي "المالية" يتطلب تبيان دور هذه الوزارة في الأزمة. فهي المسؤول الأول عن وضع سياسات الجباية والانفاق وطرح وتنفيذ الاصلاحات عبر الموازنة ورعاية الانفاق التنموي الاستثماري أكثر من الجاري والاستهلاكي. في معظم هذه العناوين فشلت وزارة المالية. والتمسك بها، كما تمسك آخرين بحقائب أخرى، يطرح علامات استفهام خطيرة عن كيفية ادارة المال العام في لبنان للإجابة عن كل اسئلة وشبهات واتهامات الفساد والتنفيعات والزبائنية.

 

إنزال حسان دياب في البئر وقطع الحبل فيه

 

ألّف "حزب الله" وحلفاؤه حكومة حسان دياب، وأيدوا اجراءاتها الأولى لا سيما وضع خطة تعاف. والأهم ان "حزب الله" دعم بقوة التوقف عن دفع سندات اليوروبوندز في آذار 2020، ثم ترك الحكومة تتخبط في كيفية اتخاذ اجراءات منظمة تلي ذلك القرار الاستراتيجي، خصوصاً السير سريعاً في تفاوض مع صندوق النقد للموافقة على تلك الخطة واطلاق الاصلاحات الموعودة. فدخلت البلاد في دوامة التعثر غير المنظم وصولاً الى الفوضى العارمة السائدة نسبياً حتى تاريخه. لا بل غض "الحزب" الطرف عن حلفائه الذين اسقطوا خطة حسان دياب التي وضعت بالتعاون مع الاستشاري العالمي شركة لازار. كما تولت لجنة المال والموازنة الممثل فيها "الحزب" اسقاط تلك الخطة كرمى لعيون مصرف لبنان وجمعية المصارف.

 

على صعيد آخر عارض "الحزب" بقوة تكليف افضل شركة عالمية متخصصة في التدقيق الجنائي (كرول) بحجة ان لها فرعاً في اسرائيل، وقبل بشركة أخرى اضعف من الأولى في هذا المجال ولها أيضاً أعمال في اسرائيل! كما غض الطرف عن اسقاط مشروع قانون ضبط السحوبات والتحويلات (كابيتال كونترول) الذي كانت حكومة دياب راغبة في تسريع اقراره منعاً لخروج أو هروب الأموال من لبنان.

 

على صعيد آخر، ضغط "حزب الله" بقوة لعدم ترشيد الدعم او الغائه متجاهلاً آراء الخبراء واصحاب الاختصاص وصرخات المودعين. وكانت النتيجة صرف 9 الى 10 مليارات دولار ذهب معظمها الى المستوردين والتجار والمهربين والمخزنين.

 

لذا من حق المودعين سؤال "حزب الله" عن جزء مسؤوليته عن الدعم الذي كان مخصصاً للمحروقات والدواء والقمح وعدد كبير من السلع الغذائية، رغم تحذيرات شديدة بأن ذلك الدعم يصرف من أموال المودعين ولا يصل الى مستحقيه.

 

أسئلة برسم "الحزب"... ولا أجوبة نهائية شافية!

 

 

خلاصة القول أن "حزب الله" مسؤول كغيره من الأطراف المتورطة في هذه الأزمة الطاحنة التي يشهدها لبنان ولا يمكن له التبرؤ منها بأي شكل من الأشكال. وتمسكه مع حليفته حركة "أمل" بوزارة المالية يجعله مسؤولاً أول حالياً، لأن الوزير الحالي أقرب ما يكون الى حاكم مصرف لبنان المتهم هو الآخر أيضاً في التسبب بالأزمة والمحمي من حليف "الحزب" واطراف أخرى. والإثنان، رياض سلامة ويوسف خليل، يتخبطان في حلول الأزمة ويزيدانها تعقيداً خصوصاً في محاولة فرض التوزيع غير العادل للخسائر.

 

كما أن "حزب الله" معني بعدم عزل لبنان عن محيطه العربي وعن العالم، فعل يفعلها؟ لأن الاتفاق مع صندوق النقد (إذا حصل) لا ينفع وحده، وسيظل لبنان بحاجة لدعم دولي لسنوات طويلة. والأهم هو الاصلاح المالي الجذري، فهل "الحزب" جاهز لمركزية الدولة وضبط ايراداتها وتعظيمها؟ وهل هو جاهز لانهاء الهيمنة كما قال يوماً وزيره طراد حمادة واضعاً ذلك بين اهداف دخول "الحزب" العمل الحكومي لأول مرة؟ وهل هو جاهز لترك الدولة تضبط الحدود وحدها من دون شريك لها في هذا الأمر السيادي والاستراتيجي؟ وهل يقبل اصلاحات مثل تحجيم القطاع العام وتفكيك منظومة الزبائنية والمحسوبية فيه؟ وهل سيقنع جمهوره بأن العلاج يقتضي تضحيات وتقشف لسنوات طويلة؟ وماذا عن محاربة الاقتصاد الموازي وضرورة الافصاح والشفافية؟ وكيف له الدفع باقتصاد منتج؟ وهل سيبقى حليفاً لمن يعارضون الاصلاح ويجهضونه كما فعلوا سابقاً خوفاً على مصالحهم وسطوتهم؟ وأخيراً، هل يسرّع تنفيذ الاستراتيجية الدفاعية التي وافق على مبادئها يوماً لحصر السلاح بيد الدولة؟ انها 10 أسئلة برسم "الحزب" ولا أجوبة نهائية شافية لها.

----------------

جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار لبنان / 10 مسؤوليات للحزب عن أزمة لبنان وتداعياتها الكارثية


www.Sidonianews.Net

Owner & Administrator & Editor-in-Chief: Ghassan Zaatari

Saida- Lebanon – Barbeer Bldg-4th floor - P.O.Box: 406 Saida

Mobile: +961 3 226013 – Phone Office: +961 7 726007

Email: zaatari.ghassan@gmail.com - zaataripress@yahoo.com

https://www.sidonianews.net/article306969 /10 مسؤوليات للحزب عن أزمة لبنان وتداعياتها الكارثية