الرئيسية / أخبار لبنان /تحقيقيات وتقارير /لبنان والحظ السيئ في 2024

جريدة صيدونيانيوز.نت / لبنان والحظ السيئ في 2024

 

Sidonianews.net

-------------------------

الجمهورية / طوني عيسى

يَستند «دلع» بنيامين نتنياهو في حربه على غزة إلى ثابتة أساسية، وهي أن إسرائيل ستبقى الطفل المدلل لدى الولايات المتحدة والغرب مهما فعلت، وستتدفق عليها الذخائر والمليارات التي تستهلكها، مهما بلغ حجمها. لذلك، هو يعتقد أن الفرصة متاحة أمامه لتحقيق هدفه الاستراتيجي: التخلص من غزة، مهما طال أمد الحرب. لكن نتنياهو تبلّغ من واشنطن والغربيين أنهم باتوا يفضّلون وقف الحرب عند عتبة معينة، لأنها تستنزفهم بشدة، وتشغلهم عن مكان آخر أكثر أهمية استراتيجية هو أوكرانيا، بوابة أوروبا ومتراسها لجهة الشرق.

وعلى العكس، تبدو حرب غزة مصلحة روسية، لأنها أدت إلى إضعاف الأوكرانيين وإرباك المعسكر الغربي الداعم لهم. ويراهن فلاديمير بوتين على انهيار الجبهة المقابلة له في أوكرانيا، إذا طال أمد الحرب في غزة واحتاج الإسرائيليون إلى جسر يوفّر لهم الإمدادات المتواصلة. وطبعاً، ستكون حاجة الإسرائيليين إلى الدعم أكبر إذا تشابكت الجبهات في وجههم، لا سيما من الجهة اللبنانية.

إذاً، الصورة على حقيقتها فيها الكثير من الغرابة السوريالية: فمن المثير أن تكون «حماس» قد فتحت باب الحرب، لكن إسرائيل لم تعد توافق على وقفها، إلا بتحقيق أهدافها الاستراتيجية، أي تدمير غزة وتهجير أهلها.

ومن المثير أيضاً أنّ مصلحة حلفاء إسرائيل الغربيين هي في وقف الحرب، فيما مصلحة روسيا تكمن في استمرارها.

ومن المثير أن تكون «حماس» متروكة لمصيرها واقعياً، فيما الجبهات مدروسة لتبقى إمّا باردة كما في الجولان وإمّا فاترة كما في الجنوب اللبناني. وأما العرب الآخرون جميعاً فيبدو أنهم في انتظار أمور أخرى.

إذاً، ضمن هذا الستاتيكو، حرب غزة لن تتوقف في المدى المنظور. وبالتأكيد هي مستمرة حتى الربيع المقبل، وعلى الأرجح ستتخذ طابع الاستنزاف طوال العام المقبل، لأن نتنياهو قرر أن يلعب ورقة الانتخابات الرئاسية الأميركية بين جو بايدن ودونالد ترامب.

وفي مناخ من التلاشي العربي والإهمال الدولي، والتعتيم أو التجاهل أو التعب الإعلامي المتزايد، دخلت الحرب مرحلة الخطر الشديد، وباتت تَسقطُ يومياً أعداد مريعة من القتلى والجرحى والمعوقين من أهل غزة، ويتم تدمير أحياء بكاملها، بصمت كامل. والهدف هو حشر المدنيين على بوابة رفح، قبل أن تبدأ المرحلة التالية الأكثر شراسة كما يتوقع البعض.

إذاً، مناخ الشرق الأوسط بكامله سيبقى مسموماً طوال فترة الحرب على غزة، أي في النصف الأول من العام 2024 بالتأكيد، وفي النصف الثاني أيضاً على الأرجح. وإذا كان العرب البعيدون عن الجبهة كالخليج والمغرب العربي ينأون بأنفسهم عن غزة وتداعياتها، فإنّ لبنان منخرط فيها ولو نسبياً. وكذلك، لا يمكن توقّع عزل مصر والأردن عنها في مراحل مقبلة. ووحدها سوريا تبدو مصرة على خيار الحياد فعلياً، لاعتبارات داخلية وخارجية.

هذا يعني أن لا حظ للبنان في التعافي خلال العام المقبل: لا أمنياً ولا سياسياً ولا اقتصادياً. فالطاقم السياسي المُمسِك بالسلطة، بعدما نجح في إحباط محاولات الإصلاح، تمكن من إجبار المجتمع الدولي على الاقتناع بالأمر الواقع الشاذ، باعتباره خياراً لا بد منه ولا يمكن الحصول على ما هو أفضل منه. ولذلك، بدأت المؤسسات الدولية تستعد للتعاطي مع هذه السلطة، وكأنها تبارك خطواتها في المجالات السياسية والمالية والإدارية.

فمنظومة السلطة تمكنت من النجاة برأسها، وهي في صدد العودة بسلام إلى النهج الذي كانت تعتمده قبل 17 تشرين الأول 2019. وثمة من يعتقد أن هناك عاملين يدفعان القوى الدولية إلى ذلك:

1 - ثبوت فشل التغيير واقتلاع هذه المنظومة، بكل الوسائل التي اعتمدت، سواء بالشارع أو بصناديق الاقتراع أو بالعقوبات الخارجية.

2 - دخول المنظومة في الصفقات المطلوبة إقليمياً ودولياً، على غرار عملية ترسيم الحدود البحرية ومستتبعاتها.

وفي النهاية، ما يعني القوى الدولية هو المصالح. وبعد ذلك، فليتدبّر اللبنانيون أمر مواجهتهم مع قوى السلطة. فإذا نجحوا نصفّق لهم ونتعاون معهم، وأما إذا فشلوا فلا بد من القبول بالأمر الواقع والتعاون مع الذين يمسكون بالسلطة أيّاً كانوا.

وحتى اليوم، يصر الأميركيون على القول إنهم وحلفاءهم قدموا كل الدعم للشعب في لبنان كي يحقق التغيير، لكن أداء هذا الشعب نفسه لم يكن كافياً، فتعثّر المسار. وتبين أن العالم قد يدعم شعباً معيناً في سعيه إلى التغيير، لكنه لا يأخذ المهمة على عاتقه، إذا فشل هذا الشعب.

في العام 2024، من الواضح أن القوى الدولية ستكون أكثر تأقلماً مع قوى السلطة في لبنان، وستساومها وتبدي رغبتها في عقد الصفقات معها. لكن المناخ السياسي لن يسمح إلا بمزيد من الترقيع، وسيجري تسيير الدولة كما قبل الانهيار وبالأدوات نفسها.

وهذا يعني التمديد للواقع القائم، بكل المعاني، فيبقى كل شيء على حاله. وطبعاً لا مجال لأي نوع من «الترف»، كمثل انتخاب رئيس للجمهورية، ما دام البلد قد اعتاد أن يمشي «فيه وبلاه».

إنه حظ لبنان السيئ، باندلاع حرب غزة، وبعدم العثور على غاز في البلوك 9. ولكن سيئ أولاً وأخيراً بالطاقم الذي يتحكّم به، وبغالبية شعبه التي جعلت نفسها في خدمة أركان هذا الطاقم، كالخاتم في الإصبع، ما يجعل الإنقاذ معدوماً. ومن الممكن تغيير الحكام إذا فشلوا، ولكن كيف يمكن تغيير الشعب إذا فشل؟

-----------------------------

جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار لبنان والعالم / لبنان والحظ السيئ في 2024

 

 

2023-12-27

دلالات: