الصورة عن : www.abd3e.net

جريدة صيدونيانيوز.نت / علمني حبك يا ابنتي

صيدونيانيز.نت/ الصحة النفسية / مقالات الدكتور بلال سالم /علمني حبك يا ابنتي

حدثني صديق وزميل لي  في الطب النفسي وأخبرني أنه كتب بعض الكلمات والخواطر تخص ابنته بينما هو مسافر وفي الطائرة، فاستسمحته بأن أنقل بعض ما كتبه على صيغة مقال في صيدونيانيوز، حيث أنني لمست أهمية هذه الخواطر فهي تحاكي حال مجتمعنا الحالي وأنا بدوري كطبيب نفسي أحببت نقلها بتصرف لضرورتها ...

يقول صديقي: 

خطر ببالي كتابة هذا الكلام وأنا في الطائرة بعد أن سافرت في رحلة عمل وقد أخبرتني زوجتي أن ابنتك استيقظت من النوم تسأل عنك وفي يدها الكتاب!
استرعاني مشهد الأب في المتجر البارحة الذي يرافقه أولاده على الجوالات وابنتي كمثقفة تجلس على كرسيها وبيدها قصة مصورة. أكاد أجزم أنها لا تفهم ما ترى ولكنها تعلقت بالصورة والكتابة الغير متحركة. نظرات هذا الوالد أشعلت في ذاكرتي دموع مئات الأمهات والأباء الذين قابلتهم في مشواري في الطب النفسي وهم يستغيثون قد ضيعنا أولادنا وبناتنا بأيدينا حين تركنا هذا السم بين أيديهم.

كنت أظن أن هذا الكلام مبالغة من الأهل لإخفاء ضعف قدرات أبنائهم العقلية أو ذكائهم. ولكني عشت التجربة عندما رزقت بابنتي ...

وهنا تبدأ القصة:
وجدت أن الجوال أسهل وأرخص وأسوأ وسيلة لتربية الأجيال وترددت في أذناي أصوات الأمهات الفخورة بأبنائها "ابني لا يفقه شيئاً في المدرسة ولكنه عبقري في عالم الجوال وفك كلمات السر وتنزيل البرامج".
هذه هي المصيبة التي عشتها من خلال مشاهدة ترك ابنتي لكل ما في يدها من لعب وطعام وشراب حتى أمها لتتجه اليً حبواً لترى ما هذه اللعبة التي في يدي!
نعم إن جوالي يرسل الآلاف من الصور والرسائل السريعة التي تخرق عقل هذه الرضيعة لتنسيها الاستمتاع بكل الصور البطيئة الجميلة المهمة التي تمر حولها. تنسيها صورة أمها التي تطعمها بيديها وتغير لها ثيابها وتغمرها بفرح وهي تشاهد بولع شديد برامج وأغاني الأطفال في الهواتف والآيباد وغيرها من الوسائل الالكترونية الحديثة.

الأمر منطقي وعلمي لو أحضرت طفلاً لا يفقه شيئاً ولا يتجاوز الستة أشهر وأعطيته الجوال سيعلمه هذا الجوال أن ينعزل عن كل ما حوله لأن الوالدة والوالد  بالنسبة لما يراه بطيئين جدا . تذكرت عندها شرح أستاذي  للأهل عن الجوال والحاسوب وقوله بقوة  : لا تقولي لي أن ابنك شديد التركيز عندما تفتخري أنه يشاهد بسرعة تفوق ضعف تركيزه وكسله وتراخي أهله.

لا أعظم نفسي أبداً بل ألومها عندما اعتقدت أني كطبيب نفسي أستطيع أن أعدل بين التربية الطبيعية والتربية الإلكترونية فوجدت نفسي صغيراً ضعيفاً مهزوماً أمام الجوال .ضرب الجوال بكل شهاداتي ودراساتي وخبراتي عرض الحائط. عندها أخذت القرار الصعب: لا جوال لا تلفاز لا شيء الا أنا والكتاب وابنتي وهنا بدأ التحدي !
بدأت تظهر عندي قبلها الأعراض الإنسحابية من وسائل التواصل الإجتماعي والألعاب والرسائل وغيرها من الحياة الكاذبة...بدأت أشتهي الجوال في أيدي الناس بل أحلم به في منامي وكأنه مبتغاي ومنتهى أهدافي. بدأت ابنتي تصرخ وتضرب  وتهدد لأنها غير قادرة في عمرهاعلى التعبير  ولكن ماذا كانت النتيجة؟
رجعت أنا وأمها للقراءة بعد هجران طويل الا ما كنا نجبر على مطالعته قبل الإمتحانات أو المحاضرات. أصبحت تستمتع بالكتاب ولا ترى في الجوال أي قيمة مضافة الا اذا وجدتنا مهتمين بالجوال أكثر منها. أصبحت تردد أسماءنا وأسماء البشر والحيوانات والأشياء بدل عناوين الأغنيات السخيفة أو الشخصيات الكرتونية التي نتعب ونشقى لنهيأ لأبنائنا أفضل حياة ويكون أكثر ما يتردد على مسامعك من أولادك وبَنَاتِك أسماء الشخصيات الزائفة التي تحصد ما نزرع وتجني ما ندخر وتدمر ولا تبني....
قد أكون متطرفاً في مقالي ولكني لا أنكر أن ابنتي فكت علاقاتي بجوالي وأصبح رصيدي من الجيجا بايتس يكفيني بل أفكر جدياً أن أنزله الى حده الأدنى  بإذن الله.
أشكرك يا بنيتي لأنك علمتني ما فشلت الجامعات في تعليمي إياه...
علمني حبك يا بنيتي أرقى وأفخم عاداتي..علمني أن أمسك الكتاب والورقة والدفتر بكل استمتاع وشوق.
وأرجو أن يصل مقالي لقلب من يشكوتراجع ولده أو كسل ابنته وتأخرهم.
 مقالات الدكتور بلال سالم / تجربة زميل منقولة بتصرف
١٣-١-٢٠١٩

2019-01-13

دلالات: